وهو ترجيح دليل على دليل أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأبين , وهذا ما يعبر عنه الفقهاء ((العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من الكتاب أو السنة)).
النوع الثاني وهو الاستحسان الباطل باتفاق العلماء.
وهو ما استحسنه المجتهد بعقله دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة.
ومما سبق يتضح أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة فلا يصح الحكم عليها بالصحة أو الفساد إلا بعد معرفته من أي الأنواع.
س3) - ما هي أنواع الاستحسان الصحيح؟
يمكن تقسيم الاستحسان باعتبار نوع الدليل الذي ثبت به إلى:-
1) - استحسان ثبت بالنص ((القران أو السنة)):-
مثال ما ثبت بالقرآن:-
عقد الإجارة:- فإن مقتضى القياس الظاهر أن هذا العقد لا يجوز لأن المعقود عليه غير موجود , والعقد على المعدوم يؤدى إلى الغور فيكون باطلاً , ولكن جاز استحساناً وسند هذا الاستحسان النص القرآني الكريم وذلك في قوله تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ}.
مثال ما ثبت بالسنة:-
الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان:- فإن ظاهر القياس يقتضي فساد الصوم , لأن الإمساك عن المفطرات من أركان الصوم , ولكن صح الصوم استحساناً وسند هذا الاستحسان قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ} البخاري , فقد عدل الفقهاء عن ظاهر القياس إلى النص وهذا العدول يسمى استحسان , والنص المعدول إليه هو وجه الاستحسان ودليله.
2) - استحسان ثبت بالإجماع.ومثال ذلك:- لو اتفق شخص مع آخر على أن يصنع له شيئاً ما فإن مقتضى القياس الجلي أن هذا العقد باطلاً لأنه عقد على شيء غير موجود , وقد عدل عن مقتضى هذا القياس إلى القول بجوازه استحساناً , فقد جرى التعامل به في جميع الأعصار والأمصار دون أن ينكر أحد.
3) - استحسان ثبت بالعرف.
ومثال ذلك:- لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً واكل سمكاً , فان مقتضى اللفظ انه يحنث لان القران سمى السمك لحماً قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} , ولكن الفقهاء نصوا على أنه لا يحنث ((إذا كان عرف أهل البلد لا يسمي السمك لحماً)) , فالعدول إلى عدم الحنث هو الاستحسان ودليله العرف.
خامساً: المصالح المرسلة
س1) - ما هي أقسام مطلق المصلحة؟
تتنوع المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها وعدم اعتباره إلى ثلاثة أنواع هي:-
النوع الأولى: المصلحة المعتبرة
وهي التي ورد دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفيد أن الشارع قد رعاها , فشرع من الأحكام ما يحقق تلك المصلحة.
وهذا النوع يدخل في عموم القياس , ولذلك يتفق جميع القائلين بحجية القياس على جواز التعليل به وبناء الحكم عليه.
ومثال ذلك:- ما يسمى بالضروريات الخمس وهى:-
1) - حفظ الدين.
2) - حفظ النفس.
3) - حفظ العقل.
4) - حفظ النسب.
5) - حفظ المال.
فمن أجل مثلاً حفظ المال وحمايته حرمت السرقة , وشرع حد قطع يد السارق.
ومن أجل حفظ النفس شرع القصاص , وحرم الاعتداء عليها.
ومن أجل حفظ العقول حرم شرب الخمر وغيرها من المسكرات وواجب الحد على شاربها.
إلى غير ذلك من المصالح التي اعتبرها الشارع وشرعت الأحكام لتحقيقها.
النوع الثاني: المصلحة الملغاة
هي المصلحة التي يرها العبد ((بنظرة القاصر)) مصلحة ولكن الشرع ألغاها و أهدرها ولم يلتفت إليها , بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس.
وإليكم هذه الأمثلة:-
1) - الاستسلام للعدو:- فقد يظهر لأول مرة أن فيه مصلحة وهى حفظ النفس من القتل , ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع , لأن هناك مصلحة أرجح منها , وهي احتفاظ الأمة الإسلامية بالعزة والكرامة فشرع الله القتال لتحقيق هذه المصلحة العظيمة ودفعاً للمفاسد المترتبة على الخضوع والاستسلام للعدو.
¥