قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث: (واستدل به على أن الوتر ليس بفرض). نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، وتقدم أن الحنفية يرونه واجبا لا فرضا. وقال الحافظ ابن حجر: (وأجاب من ادعى وجوب الوتر من الحنفية بأن الفرض عندهم غير الواجب، فلا يلزم من نفي الفرض نفي الواجب، وهذا يتوقف على أن ابن عمر كان يفرِّق بين الفرض والواجب، وقد بالغ الشيخ أبوحامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر، ولم يوافقه صاحباه، مع أن ابن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسبب، وأبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، والضحاك ما يدل على وجوبه عندهم .. ونقله ابن العربي عن أصيغ من المالكية ووافقه سحنون، وكأنه أخذه من قول مالك: من تركه أدِّب، وكان جرحه في شهادته).
المسألة الثالثة: الأضحية
ذهب الجمهور إلى سنية الأضحية، وعند الحنفية: الأضحية واجبة ولبست بفرض. لأنها ثبتت بدليل ظني وهو ما ورد عن أبي هريرة قال " قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ". رواه أحمد وابن ماجه.
المسألة الرابعة: بعض الأفعال والأقوال في الصلاة
ذهب الحنفية إلى عدم ركنية تكبيرة الإحرام، والتسليم من الصلاة، والرفع من الركوع والرفع من السجود، والطمأنينة في الصلاة فهي عندهم من الواجبات لا من الأركان، لأنها ثبتت بأدلة ظنية. وأما الجمهور فكل ما تقدم يعد من الأركان فتبطل الصلاة بتركها عمدا أو سهوا. وتفصيلها في كتب الفروع.
المطلب الثالث: هل التفريق مستعمل في كتب الجمهور
يلاحظ أن الجمهور مع أنهم يردون التفريق بين الفرض والواجب إلا أننا نجدهم يفرقون في بعض المواطن.
قال الزركشي في البحر المحيط: وَقَدْ فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَسَمَّوْا الْفَرْضَ رُكْنًا , وَالْوَاجِبَ شَرْطًا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ , وَفِي بَابِ الْحَجِّ حَيْثُ قَالُوا: الْوَاجِبُ مَا يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ , وَالرُّكْنُ مَا لَا يُجْبَرُ , وَهَذَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ فَرْقًا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى تَخْتَلِفُ الذَّوَاتُ بِحَسَبِهِ , وَإِنَّمَا هِيَ أَوْضَاعٌ نُصِبَتْ لِلْبَيَانِ.
حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ فِيمَنْ قَالَ: " الطَّلَاقُ وَاجِبٌ عَلَيَّ " تَطْلُقُ. أَوْ فَرْضٌ لَا تَطْلُقُ , وَلَيْسَ هَذَا بِمُنَافٍ لِلتَّرَادُفِ , بَلْ لِأَنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَى ذَلِكَ , وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ اللُّغَةِ الْمَهْجُورِ.
وقال الطوفي: الذي نصره كثير من الأصوليين أن الواجب مرادف للفرض، لكن أحكام الفروع قد بنيت على الفرق بينهما، فإن الفقهاء ذكروا أن الصلاة مشتملة على فروض وواجبات ومسنونات، وأرادوا بالفروض الأركان وحكمهما مختلف من وجهين:
الأول: أن طريق الفرض منها أقوى من طريق الواجب.
الثاني: أن الواجب يجبر إذا ترك نسيانا بسجود السهو، والفرض لا يقبل الجبر، وكذا الكلام في فروض الحج وواجباته، حيث جبرت بالدم دون الأركان.
الخاتمة
وبعد هذا البحث الأصولي الممتع للباحث -وأملي أن يشارك القارئ الكريم في المتعة والفائدة، والذي حوى حوارات علمية بين من يفرق بين الفرض والواجب ومن يرى أنهما بمعنى واحد، نجد أننا بحاجة إلى عرض أهم نتائج البحث، وه:
1. أهمية تحرير المصطلحات الشرعية، وتبيين ارتباطها بالمعاني اللغوية.
2. أن الدلالة اللغوية للفرض مختلفة عن دلالة الواجب، وقد تتفق معه في قليل من الصور.
3. أن اختلاف علماء الأصول في تعريف الواجب راجع إلى الطريقة المستعملة في التعريف، فمنهم من عرفه بالحد ومنهم من عرفه بالرسم.
4. أن الجمهور المرجحين للترادف الاصطلاحي للفرض والواجب، احتجوا بنصوص مرفوعة وأقوال الصحابة والتي يظهر منها عدم التفريق بنهما.
5. أن المنصوص عن أحمد أنه يفرق بين الفرض والواجب، وقد لا يكون بالضرورة كتفريق الحنفية، ولكنه يفرق في الجملة.
6. أن من فرق بين المصطلحين رجع إلى الدلالة اللغوية، وإلى عدم التنازع في تفوت المأمورات اللازمة في القوة، فالتفريق حاصل أصلا، وإن حصل التنازع في المصطلح.
7. أن الفرض والواجب متفقان على إلزام العمل بهما وإثم من تركهما بلا عذر إجماعا.
8. للخلاف ثمرة في الأصول، من جهة تكفير من أنكر الفرض دون من أنكر الواجب، ولها أوجه أخرى.
9. أن للخلاف ثمرة في الفروع، ذكر منها بعض المسائل في موضعها من البحث.
10. رأينا أن استعمال التفريق موجود عند من نفي الفرق، وذلك في كتب الفروع مما يقوي التفريق بين المصطلحين.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[13 - 02 - 06, 05:16 م]ـ
جزاك الله خيراً، وبارك فيك، ونفع بك.
ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[13 - 02 - 06, 05:20 م]ـ
وفيك بارك يا أبا زرعة
وشكرا على مرورك
ـ[راشد عبدالله القحطاني]ــــــــ[15 - 02 - 06, 11:51 م]ـ
رجح شيخنا يعقوب أباحسين أن المسألة لها ثمرة
وذكر منها قراءة الفاتحة في الصلاة ... على الخلاف بين الحنفية والجمهور .... وغيرها
¥