"اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا"
حفظ القرآن الكريم .. معجزة!!
لا شك ـ إخواني في الله ـ أن حفظ هذا الكتاب العظيم معجزة! .. هي فعلاً معجزة حقيقية أن تجد الألوف بل الملايين من أمة الإسلام يحفظون هذا الكتاب العظيم، مع كبر حجمه، وتعدد سوره، وتشابه آياته ..
ولا أعلم كتاباً على ظهر الأرض - سماوياً كان أو غير سماوي - حفظه الناس بهذه الصورة .. فهي خاصية فريدة جعلها الله عز وجل لكتابه العظيم ..
ويزداد عجبك عندما ترى بعض الطوائف من المسلمين - والذين لا تتخيل لهم أن يحفظوا هذا الكتاب الكريم - قد حفظوه بالفعل!! ..
· فالأطفال دون العاشرة ـ وأحياناً دون السابعة _ يحفظون القرآن الكريم وقد يتمون حفظه بالكامل في هذا السن!! .. هذا مع العلم طبعاً أن غالب الكلمات التي يقرأها الأطفال لا يدركون معناها! ..
· تجد أيضاً أن كثيراً من الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، يحفظون هذا الكتاب العجيب .. فقط عن طريق السماع والتلقين! ..
· تجد أيضاً كثيراً ممن فقدوا نعمة البصر قد أبدلهم الله عز وجل بنعمة القرآن .. فهم وإن كان يتعذر عليهم مطالعة المصحف، وحفظ شكل الصفحة، إلا أن الله عز وجل يمن عليهم بحفظ القرآن الكريم، وبصورة قد تكون أرسخ وأقوى من الذين يتمتعون بنظر صحيح ثاقب! ..
· بل أعجب من ذلك وأغرب، أنك تجد قوماً لا يتحدثون اللغة العربية أصلاً، يحفظون هذا الكتاب عن ظهر قلب!! .. بل ويرتلونه كما أنزل .. وبصورة قد تكون أفضل جداً من كثير من العرب الذين يتكلمون العربية ..
كل هذا يشير إلى أن تيسير حفظ هذا الكتاب الكريم هو معجزة إلهية .. وآية ربانية
وصدق الله العظيم القائل:
"إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون".
وأعظم وسائل حفظ هذا الكتاب الجليل في الأرض، هو أن يحفظ في قلوب الرجال والنساء والأطفال!! .. فهذه أماكن آمنة لا يصل إليها عدو ولا حاقد .. وقد يأتي على المسلمين زمان يُحارب فيه الإسلام، وتُحرق فيه كتب القرآن، ولكن يبقى القرآن في الصدور .. حدث ذلك على سبيل المثال في الجمهوريات الإسلامية أيام احتلالها بالاتحاد السوفيتي .. فهم كانوا يحرقون كل المصاحف، ويعاقبون بالقتل كل من يجدون عنده مصحفاً في بيته أو في عمله .. ومع ذلك فإن أهل هذه البلاد حفظوا القرآن الكريم في صدورهم، ونقلوه من واحد إلى واحد عن طريق التلقين، وكانوا يدرسونه في المخابئ والكهوف والخنادق .. ومرت الأيام .. وانقشع الظلام الروسي، وبقي القرآن الكريم في صدور المسلمين!! ..
وصدق الله عز وجل إذ يقول:
"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وما يجحد آياتنا إلا الظالمون ".
حفظ القرآن الكريم مسؤولية كبيرة
غير أني أود أن أؤكد على أن حفظ القرآن الكريم مسؤولية عظيمة، وتبعة كبيرة ..
فالذي وفقه الله عز وجل لهذه النعمة عليه أن يعرف أنه سيبدأ حياة جديدة وهو يحمل في صدره هذا القرآن .. و من المؤكد أنه لن يكون كما كان في سابق حياته .. بل ستتغير فيه أشياء كثيرة .. في داخله وفي خارجه .. في سريرته وفي علانيته .. في علاقاته وفي معاملاته ..
لقد أصبح إنساناً يحمل القرآن! .. ولابد لهذا الإنسان من التحلي بصورة خاصة جداً .. لا يتحلى بها إلا حمال هذا الكتاب الجليل ..
يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس ينامون، وبنهاره إذا الناس يفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون مستكيناً ليناً، ولا ينبغي له أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخاباً ولا حديداً" ..
ويقول التابعي الجليل الفضيل بن عياض رحمه الله:
"حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو".
وقال أيضاً:
"ينبغي لحامل القرآن أن لا تكون له حاجة إلى أحد من الخلفاء فمن دونهم".
¥