تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ما معنى الإجماع وما مكانته في الإسلام؟ وكيف يمكن أن يطبق في هذا العصر؟ وماهي طرق الإستدلال في حالة تعارض الأدلة؟

الفتوى

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن مما فضل الله به هذه الأمة وميزها به على سائر الأمم: أن إجماع علمائها على أمر من أمور دينها معصومٌ من الزلل والخطأ؛ ليحفظ الله سبحانه، بسبب إجماعهم الشريعة من كيد الكائدين، وتحريف الضالين، قال الزركشي في البحر المحيط 4/ 449: والسرّ في اختصاص هذه الأمة بالصواب في الإجماع أنهم الجماعة بالحقيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الكافة، والأنبياء قبله إنما بُعث النبي لقومه، وهم بعض من كل، فيصدق على كل أمة أن المؤمنين غير منحصرين فيهم في عصر واحد، وأما هذه الأمة فالمؤمنون منحصرون فيهم، ويد الله مع الجماعة، فلهذا - والله أعلم - خصّها بالصواب .. انتهى

وإذا عرفت هذا، فالإجماع لغة: لفظٌ مشترك يطلق على معنيين في اللغة:

الأول: العزم على الشيء، يقال: أجمع فلان على السفر، إذا عزم عليه، ومنه قوله تعالى: فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس:71].

الثاني: الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا: أي اتفقوا عليه.

وكلا المعنيين مأخوذ من الجمع؛ فإن العزم فيه جمعُ الخواطر، والاتفاق فيه جمعُ الآراء. انظر شرح مسلم الثبوت 2/ 211، وانظر في المعنى اللغوي في الصحاح 3/ 1198، ومعجم مقاييس اللغة 1/ 479.

واختلف الأصوليون في تعريف الإجماع اصطلاحاً تبعاً لاختلافهم في كثير من مسائل الإجماع المتعلقة بأركانه وشروطه وأحكامه.

والتعريف المختار أن الإجماع هو: اتفاق مجتهدي الأمة، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عصر على أي أمر كان .. انظر جمع الجوامع 1/ 176 مطبوع مع حاشية البناني. وقد اختاره كثيرون.

ولكي يتضح هذا التعريف فلا بد من شرحه وذكر محترزاته:

فاتفاق معناه: الاشتراك في الرأي أو الاعتقاد، سواء دلّ عليه الجميع بأقوالهم جميعاً، أم بأفعالهم جميعاً، أم بقول بعضهم وفعل بعض، وهذا كله يسمى بالإجماع الصريح، أم بقول بعض أو فعله مع سكوت بعض آخر، وهذا يسمى بالإجماع السكوتي، وبهذا يكون التعريف شاملاً لقسمي الإجماع: الصريح والسكوتي.

أما مجتهدو الأمة: فالمجتهد: هو الذي يبذل وُسعه في طلب الظن بحكم شرعي على وجه يُحس معه بالعجز عن المزيد عليه.

والأمة: هي الطائفة من الناس تجمعها رابطة، والمراد بها: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أي: أتباعه المؤمنون به في أي زمان، وهم أمة الإجابة لا أمة الدعوة.

وقد خرج باتفاق مجتهدي الأمة:

1 - اتفاق المقلدين والعوامّ؛ فإنه لا يعد إجماعاً شرعيّاً.

2 - اتفاق بعض المجتهدين؛ فإنه لا يعد إجماعاً.

3 - اتفاق مجتهدي غير هذه الأمة.

أما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فيخرج به اتفاقهم في حياته، فإنه لا عبرة به، قال الآمدي: وإجماع الموجودين في زمن الوحي ليس بحجة في زمن الوحي بالإجماع، وإنما يكون حجة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. الإحكام للآمدي 1/ 109.

وأما في عصر: فالمراد به الاتفاق في أي عصر كان، فدخل بهذا القيد: اتفاق المجتهدين في أي زمان كان، سواء كان في زمن الصحابة أم من بعدهم.

وفي هذا دفعُ توهّم أن الإجماع لا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين في جميع العصور، وهو محال. انظر الإحكام للآمدي 1/ 196، وحاشية البناني على المحلى 1/ 176.

وعلى أي أمر كان: المراد به الحكم الذي اتفق عليه المجتهدون، ويشمل:

1 - الأمر الديني: كأحكام الصلاة، وتفسير آية أو حديث.

2 - الأمر الدنيوي: كترتيب الجيوش والحروب، وتدبير أمور الرعية.

3 - الأمر العقلي: كحدوث العالم.

4 - الأمر اللغوي: ككون الفاء للترتيب والتعقيب.

وفي بعض التعريفات خُصّ الأمر المتفق عليه: بالأمر الديني، ويمكن التوفيق بين من عمم ومن خصص بأن يقال: إن المُعمم قصد بالأحكام الدنيوية أو اللغوية أو العقلية: الأحكام التي يتعلق بها حكم شرعي، فيكون الإجماع حينئذ ليس مقصوداً لذاتها، بل لما يلزم منه ..

وأما من خصص فمراده من الأمور الدينية ما هو أعم من الأحكام الشرعية يشملها هي وما تستلزمه.

وأما مكانة الإجماع: فالإجماع حق مقطوع به في دين الله عز وجل، وأصل عظيم من أصول الدين، ومصدر من مصادر الشريعة، مستمد من كتاب الله الكريم، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتالٍ لهما في المنزلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير