تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الدليل الخامس: جملة الأحاديث الدالة على لزوم الجماعة، وتعظيم شأنها، والإخبار بعصمتها عن الخطأ ومنها:

1 - قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري 13/ 293.

2 - قوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. رواه أحمد.

3 - وقوله صلى الله عليه وسلم: من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية. متفق عليه.

ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث وغيرها: أن هذه الأحاديث ونحوها، وإن لم يتواتر كلّ واحدٍ منها لفظاً إلا أن القدر المشترك بينها -وهو عصمة الأمة- متواتر فيها؛ لوجوده في كل منها، وإذا ثبتت عصمة الأمة تواتراً كان ذلك دليلاً على حجية الإجماع.

ومباحث الإجماع طويلة الذيول لا يمكن أن نأتي عليها في هذه الفتوى فلتراجع في أماكنها من كتب الأصول، لكننا سنقف مع مسألة لها علاقة بالنقطة الثالثة في السؤال، هذه المسألة: هي هل يمكن تحقق وقوع الإجماع على النحو الذي أشرنا إليه؟

لا خلاف بين العلماء في وقوع الإجماع على الأحكام التي تعلم من الدين بالضرورة، ولكن وقع الخلاف في وقوع الإجماع في الأحكام الظنية، على مذهبين:

المذهب الأول: إمكان وقوع الإجماع فيها، وإلى هذا ذهب الجمهور، وهو الصحيح، وليس أدل على ذلك من الوقوع، وأمثلة وقوع الإجماع كثيرة، مثل الإجماع على تقديم الدَّيْن على الوصية، وحرمة شحم الخنزير كلحمه، والإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة: لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة، لا يجوز الوضوء منه.

المذهب الثاني: أن هذا الإجماع مستحيل الوقوع, وذهب إليه النظام المعتزلي، وإمام الحرمين، وكثير من المعاصرين، واستدل لأصحاب هذا المذهب على ذلك بأن أهل الإجماع قد انتشروا في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا الانتشار يمنع نقل الحكم، منهم وإليهم عادة، وإذا امتنع نقل الحكم امتنع الاتفاق منهم على حكم معين، ويجاب عن ذلك بأن أهل الإجماع عدد قليل معروفون بأعيانهم، وهم المجتهدون، وعليه فيمكن أن تنقل الواقعة إلى جميعهم، ويستطلع رأيهم فيها.

أما ما نقل عن الإمام أحمد من مقولته المشهورة: من ادعى الإجماع فهو كاذب.

فليس مراده بها نفي وقوع الإجماع أو حجيته قطعاً؛ لكون الإمام يحتج به، ويستدل به في كثير من الأحيان، وقد حملها العلماء على عدة أوجه، ومن أحسنها: أنه قال ذلك على سبيل الورع، لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له من معرفة بخلاف السلف، ويدل لذلك تتمة كلامه السابق حيث يقول: من ادعى الإجماع فهو كاذب، لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، إذا هو لم يبلغه .. أي إذا لم يبلغه في المسألة خلاف.

قال ابن القيم: وليس مراده -أي الإمام أحمد - استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها. انظر المسودة، ص: 316، ومجموع الفتاوى 19/ 271، 20/ 247، ومختصر الصواعق، ص: 506.

وإذا تقرر هذا .. فالإجماع يمكن انعقاده في هذا العصر إذا تولت أمره الجهات العلمية في البلاد الإسلامية بأن تستطلع رأي مجتهديها في الواقعة، فإذا اتفقت آراء المجتهدين جميعهم على حكم واحد في هذه الواقعة، كان هذا إجماعاً، وكان الحكم المجمع عليه حكماً شرعيّاً واجب الاتباع على المسلمين، ولكن من المعلوم أن تولي هذه الجهات استطلاع آراء المجتهدين في ظل عدم اهتمام كثير من الحكومات بتطبيق الشريعة، يكاد يكون مستحيلاً.

أما كيفية الاستدلال حالة تعارض الأدلة، فقد وضع أئمة العلم قواعد علمية لدرء التعارض، وهي:

1 - الجمع بين النصوص بطريقة من طرق الجمع المعتد بها عند علماء الأصول، مثل:

- ردّ العام على الخاص.

- ردّ المطلق على المقيد.

- رد المجمل على المبين.

- رد المتشابه إلى المحكم.

- معرفة الناسخ والمنسوخ .. ونحو ذلك من الطرق.

2 - الترجيح بين النصوص بطريقة من طرق الترجيح التي ذكرها علماء الأصول، ويلجأ إلى هذه الحالة عند تعذر الجمع بينها.

3 - وإذا لم يستطع الدارس الجمع أو الترجيح فإنه يتوقف حتى يتبين له الأمر.

والله أعلم.

المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه

http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/S...Option=FatwaId


¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير