حمل مصحف في الجيب يساعد كثيراً على إتمام الحفظ، وأنا أعلم حفاظاً حفظوا أكثر من ثمانين بالمائة من القرآن من مصحفهم الصغير في أماكن متفرقة، وأوقات متعددة!! .. ولم يكن الجلوس خصيصاً للحفظ هو الأصل عندهم .. ذلك لأن الإنسان بصفة عامة يرتبط طوال اليوم بأكثر من ميعاد .. وينتقل بين هذا الميعاد وذاك الميعاد .. وقد يجد أوقاتاً قصيرة ولكنها كثيرة يستطيع أن يستغلها في الحفظ، ولكنه قد لا يجد مصحفاً يحفظ منه، وهنا يبرز دور مصحف الجيب ..
على سبيل المثال إذا كنت تنتقل بالمواصلات العامة من مكان إلى مكان فهذه ربع ساعة، أو نصف ساعة، وأحياناً ساعة يومياً، تستطيع أن تستغلها في حفظ القرآن الكريم، وعلى سبيل المثال أيضاً تستطيع أن تراجع ما تحفظ وأنت تسير في الشارع .. فتقوم بتسميع ما حفظته في الأسبوع الماضي والذي قبله .. تقرأ مرة والثانية والثالثة .. فهذا يثبت الحفظ ويعظم الأجر .. فإن وقفت عند آية، أخرجت مصحفك، وراجعت أول الآية، ثم أكملت التسميع .. وكذلك إذا كنت منتظراً في مكان ما .. في مكتب .. في طابور .. في فترة راحة بين المحاضرات في الجامعة أو المدرسة .. في الفترة بين الأذان والإقامة في المسجد .. استغل كل هذه الفترات في حفظ ولو آية واحدة .. وآية مع آية تمثل ربعاً .. والربع مع الربع يمثل القرآن كاملاً إن شاء الله ..
القاعدة الرابعة
استمع جيداً إلى إمام الصلاة
من المؤكد أن المسلم الحريص على حفظ القرآن، حريص ـ من باب أولى ـ على صلاة الجماعة بالمسجد .. ونصيحتي لك أن تختار مسجداً يؤم الصلاة فيه إمام حافظ متقن لقاعد التجويد، وبالذات لو كان حسن الصوت فاهماً لما يقرأ .. فالإمام الحافظ سينتقل بك بين صفحات القرآن المختلفة، فتراجع معه ما حفظته بالأمس، وما حفظته في الشهر السابق، وفي السنة السابقة .. وتسمع منه الآيات التي لم تحفظها بعد، فيسهل عليك حفظها ..
فحاول ـ أخي في الله ـ أن تتدبر جيداً فيما يقرأه الإمام في الصلوات الجهرية: الصبح والمغرب والعشاء، وإذا سمعت آية لا تفقه معناها، فلا تنس عند عودتك إلى البيت أن تخرج كتاب التفسير وتقرأ تفسيرها، فهذا يثبت الحفظ جداً، فوق إنك تستفيد تفسير الآية والعمل بها ..
وإذا سمعت آية وشككت في صحة تلاوتها، فلا تتردد أن تراجع الآية بعد الصلاة وأنت في المسجد، حتى تتثبت ممن صحة الآية وترتيب الكلمات والحروف .. وبهذا فإنك فوق تثبيت الآية، والاستفادة من تدبر معانيها، فإنك تكون قد حققت بند الخشوع في الصلاة، وعظمت الأجر المتحصل منها جداً، لأنك عقلت ما فيها ..
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَمَّار بن ياسر رضي الله عنه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِث: ِ يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ خَفَّفْتَهُمَا قَال: َ هَلْ نَقَصْتُ مِنْ حُدُودِهَا شَيْئًا؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ خَفَّفْتَهُمَا قَال: َ إِنِّي بَادَرْتُ بِهِمَا السَّهْوَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا عُشْرُهَا وَتُسْعُهَا أَوْ ثُمُنُهَا أَوْ سُبُعُهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى آخِرِ الْعَدَد".ِ
القاعدة الخامسة
ابدأ بالأجزاء السهلة
ليس من الضروري أن تحفظ القرآن بترتيب المصحف .. وبالذات في البداية .. بل إنني أفضل أن تبدأ بالأجزاء السهلة من القرآن الكريم، وذلك حتى تحفظها بسرعة، وتُكو?ن حصيلة جيدة من القرآن مبكراً .. وهذا - ولا شك - سيدفعك دفعة كبيرة إلى الأمام .. لأن حماسك للحفظ وأنت تحمل في صدرك خمس القرآن غير حماسك وأنت تحمل نصف القرآن، غير حماسك وأنت لا تحمل من القرآن شيئاً ..
والسهولة في أجزاء القرآن نسبية .. فقد تكون هناك سورة سهلة جداً بالنسبة لي، ولكنها صعبة عليك .. والعكس أيضاً صحيح .. فكثير من السور التي أستصعبها قد تكون سهلة عليك .. ومع ذلك فإن هناك سوراً أجمع معظم الحفاظ على سهولتها، ولذلك أنصح بأن تبدأ بها .. وهي على العموم السور التي تسمع كثيراً في الصلوات، والسور التي تحتوي على قصص كثير ..
فعلى سبيل المثال تستطيع أن تبدأ بما يلي: ـ
1ـ الجزء الثلاثون ..
2ـ الجزء التاسع والعشرون ..
¥