هناك إشكال عندك في الربط بين مصدر الدال و الدال و المدلول.
فالمدلول لا يُعرف إلا بالربط بين (مصدر الدال) و (الدال)، و أنت تتجاهل تأثير مصدر الدال على المدلول، و تعتقد أن المدلول يعرف من الدال فقط و هذا خطأ .. و كل من يقع في هذا الخطأ سيرى فهمي مضحكا مثلما رأيته أنت.
سأضرب مثلا للتوضيح:
لنفرض أن رجلا ملحدا قال لرفيقه المسلم (فلان كان مثلك وقرأ كتاب إبطال الأديان فترك الإسلام فاعتبر)
مصدر الدال: ملحد
الدال: (فلان كان مثلك و قرأ كتاب إبطال الأديان فترك الإسلام فاعتبر)
المدلول: اقرأ كتاب إبطال الأديان لرفع العشاوة عن عينك.
أما لو قال هذا القول رجل مسلم لرفيقه المسلم سيكون:
مصدر الدال: مسلم
الدال: (فلان كان مثلك و قرأ كتاب إبطال الأديان فترك الإسلام فاعتبر)
المدلول: لا تقرأ هذا الكتاب ففيه شبهات قد تؤثر عليك.
أرأيت كيف اختلف المدلول تأثرا بمصدر الدال رغم إتفاق الدال في المرتين؟
الآن ارجع إلى الفصل الثالث من هذا الموضوع و راجع ما قلته في أصل معنى لفظ الاعتبار في اللغة وستفهم معنى قولي أن (ما يسري على النص لا يسري على أقوال البشر)
ففي كلام البشر يختلف المدلول باختلاف مصدر الدال، أما في النص لا تتحقق هذه الصفة!
فحينما جئنا لك بالنصوص، فأنكرتَ وجه الدلالة فيها، قلنا نرجع لمقتضى كلام العرب، فهل يقول أحد من أهل العلم: إن الرجوع لكلام العرب لا يصح؛ لأن ما يسري على كلام الله لا يسري على كلام البشر؟!
أما إنكاري لوجه الدلالة في النصوص فكان مبنيا على عدم احتمال النص للدلالة مع وجود أدلة ظاهرة من النص على بطلان وجه الدلالة، و لم أجد عليها ردا (!!!!)
فإن كنت ترى غير ذلك فعليك الرجوع إلى المشاركات السابقة و إثبات صحة قولك.بأن تقول: إن وجه الدلالة فيما سقته كذا، و إنكارك له كان بناء على كذا، و هذا الإنكار باطل و الدليل كذا ..
و أنا لم أر منك شيئا من ذلك!
فإن كنت أنت ترى أن فهمك هو الصواب وأن فهم جميع العقلاء خطأ، فلا مجال للنقاش بيننا؛ لأننا نبني نقاشنا على ما يفهمه العقلاء من الكلام!
و هل وقفت على فهم جميع العقلاء خلال أربعة عشر قرنا ووجدت أنهم يخالفون فهمي؟
أنت ترجع إلى فهم غيرك لتحكم على فهمك، و تشك في فهمك لا لشئ إلا لأن فهم العقلاء يخالفه!
بينما أنا أحكم على فهم العقلاء من النص، و لا أقبل فهم العقلاء إلا بعد عرضه على النص!
و لذا فكما قلت لا مجال للنقاش لأنه لا توجد قواعد متفق عليها في الحكم على فهوم العقلاء.
و لنترك أبا إسلام ليكمل الردود.
وأما الدليل الذي ذكرتُه لك سابقا وهو ((إنما جعل الاستئذان من أجل البصر))، فوجه الدلالة منه ليس في العلة المنصوصة كما تظن، ولكن كيف استحل النبي صلى الله عليه وسلم أن يفقأ عين هذا الناظر، وقال له مغضبا: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر؟
فهو أنكر عليه أنه نظر إلى نص آية الاستئذان بجمود، ولم يفهم المقصود منها؛ لأنه لا يظهر فرق بين الدخول بالرجل والنظر بالعين، فكلاهما فيه انكشاف عورات الناس بلا استئذان.
وهذا مفهوم من الآية، وإنما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من قلة فهم هذا الناظر من خلل الباب!
إن لم تكن مقتنعا بكل ما سبق، فاشرح لي هذا الحديث على مقتضى فهمك!
مقتضى فهمي أن النص قد بين تحريم تتبع عوارات الناس في مواضع كثيرة، و الرجل خالف هذا التحريم، و لم يجمد على ظاهر آية الاستئذان كما تظن.
فغضب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان لمخالفة الرجل لهذه النصوص.
و الرجل لم يرد الاستئذان للدخول، و لكنه كان ينظر تجسسا.
فإن قلت فما فائدة قوله (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)
أقول: أن يعلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرجل أن يغض بصره عن البيوت حتى فيما هو أدنى من التجسس، و ذلك عند الاستئذان، فيغض بصره حتى وإن وجد سبيلا للنظر دون قصد،كأن يجد الباب مفتوحا مثلا.
و أرى أن نتوقف عند هذه النقطة و جزاكم الله خيرا على كل مشاركاتكم السابقة فقد استفدنا منها رغم كل شئ.
و أرجو من الأخوة أن يتركوا أبا إسلام ليكمل و لا يشتتوا الموضوع بالتعليقات.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[30 - 08 - 06, 11:35 م]ـ
أخي الكريم نصر الدين:
سأحاول أن أنسى كل ما فات، وأبدأ صفحة جديدة لمحاولة تقريب وجهات النظر، وأسأل سؤالا:
إذا جاء أحد الفقهاء وقال:
((قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان)، وذلك لأن الغضب يجعل صاحبه زائغ العقل ولا يعطي القضاء حقه، وهذا المعنى موجود في الحاقن حقنا شديدا، والجائع جوعا شديدا، والعطشان عطشا شديدا؛ ومن ثم لا يصح للقاضي أن يقضي بين اثنين وهو حاقن نظرا إلى مقصود الشارع، ولا وهو عطشان عطشان شديدا، ولا وهو جائع جوعا شديدا؛ لأن ذلك يتسبب في التأثير على القاضي ولا يجعله يعطي القضاء حقه))
سؤالي هو:
يمكنك أن تقول: أخطأ هذا الفقيه أو أصاب، ولكن بغض النظر عن صحة كلام هذا الفقيه أو خطئه، هل يصح أن نقول: (إن هذا الفقيه على ضلال مبين، وما فعله من الاستنباط محرم ولا يجوز؟)
¥