تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

غدوا وكأن الجهل يجمعهم به ... أب وذوو الأدب فيهم نوافل فان الحظ لمن آثر العلم فضله، أن يسهله جهده، ويقربه بقدر طاقته، ويخففه ما أمكن. بل لو أمكن أن يهتف به على قوارع طرق المارة، ويدعو إليه في شوارع السابلة، وينادي عليه في مجامع السيارة، بل لو تيسر له أن يهب المال لطلابه، ويجزي الأجور لمقتنيه، ويعظم الاجعال عليه للباحثين عنه، ويسني مراتب أهله، صابرا في ذلك على المشقة والأذى، لكان ذلك حظا جزيلا وعملا جيدا وسعيا مشكورا كريما واحياء للعلم؛ والا فقد درس وبلي وخفي، إلا تحلة القسم، ولم يبق منه الا آثار لطيفة وأعلام دائرة والله المستعان. ورأينا هذه الكتب كالدواء القوي، إن تناوله ذو الصحة والمستحكمة، والطبيعة السالمة، والتركيب الوثيق، والمزاج الجيد، انتفع به وصفى بنيته وأذهب اخلاطه [5و] وقوى حواسه، وعدل كيفياته؛ وان تناوله العليل المضطرب المزاج، الواهي التركيب، أتى عليه، وزاده بلاء وربما أهلكه وقتله. وكذلك هذه الكتب إذا تناولها ذو العقل الذكي والفهم القوي لم يعدم اين تقلب وكيف تصرف منها نفعا جليلا وهديا منيرا وبيانا لائحا وتنجحا في كل علم تناوله وخيرا في حينه ودنياه وان اخذها ذو العقل السخيف ابطلته وذو الفهم الكليل بلدته وحيرته؛ فليتناول كل امرئ حسب طاقته. وما توفيقنا إلا بالله عز وجل. ولا ينذعر قارئ كتابنا هذا من هذا الفعل، فيكع راجعا، ويجفل هاربا، ويرجع من هذه الثنية ثانيا من عنانه، فانا نقول قولا ينصره البرهان، ونقضي قضية يعضدها العيان: إن اقواما ضعف عقولهم عن فهم القرآن فتناولوه باهواء جائرة، وافكار مشغولة، وافهام مشوبة فما لبثوا أن عاجوا عن الطريقة، وحادوا عن الحقيقة: فمن مستحل دم الامة، ومن نازع إلى بعض فجاج الكفر، ومن قائل على الله عز وجل ما لم يقل. وقد كر الله عز وجل وحيه وكلامه فقال: {يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، وما يضل به الا الفاسقين} (26 البقرة: 2) وهكذا كل من تناول شيئا على غير وجهه، أو هو غير مطيق له، وبالله تعالى نستعين.

وليعلم من قرأ كتابنا هذا ان منفعة هذه الكتب ليست في علم واحد فقط بل كل علم، فمنفعتها في كتاب الله عز وجل، وحديث نبيه، صلى الله عليه وسلم وفي الفتيا في الحلال والحرام، والواجب والمباح، من أعظم منفعة. وجملة ذلك في فهم الاشياء التي نص الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، عليها وما تحتوي عليها من المعاني التي تقع عليها الاحكام وما يخرج عنها من المسميات، وانتسابها تحت الاحكام على حسب ذلك والالفاظ التي تختلف عبارتها وتتفق معانيها. وليعلم العالمون ان من لم يفهم هذا القدر فقد بعد عن الفهم عن ربه تعالى وعن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجز له ان يفتي بين اثنين لجهله بحدود الكلام، وبناء بعضه على بعض، وتقديم المقدمات، وانتاجها النتائج التي يقوم بها البرهان وتصدق ابدا، أو يمييزها من المقدمات التي تصدق مرة وتكذب اخرى ولا ينبغي بها.

واما علم النظر بالآراء والديانات والاهواء والمقالات فلا غنى لصاحبه عن الوقوف على معاني هذه الكتب لما سنبينه من أبوابه إن شاء الله تعالى. وجملة ذلك معرفة ما يقوم بنفسه مما لا يقوم بنفسه، والحامل والمحمول، ووجوه الحمل في الشغب والاتباع، وغير ذلك.

فاما علم النحو واللغة والخبر وتمييز حقه من باطله والشعر والبلاغة والعروض فلها في جميع ذلك تصرف شديد وولوج لطيف وتكرر كثير ونفع ظاهر. فاما الطب والهندسة والنجوم فلا غنى لاهلها عنها أيضاً لتحقيق الاقسام والخلاص من الثلاثة الاشياء المشتركة وغير ذلك، مما ليس كتابنا هذا مكانا لذكره. وهذه جمل يستبينها من قرأ هذه الكتب وتمهر فيها وتمرن بها ثم نظر في شيء من العلوم التي ذكرنا وجد ما قلنا حقا، ولاحت له أعلامها في فجاجها وأغماضها تبدي له كل ما اختفى وبالله تعالى التوفيق.

وكتابنا هذا واقع من الانواع التي لا يؤلف أهل العلم والتمييز الصحيح إلا فيها تحت النوع الرابع، وهو شرح المستغلق، وهو المرتبة الرابعة من مراتب الشرف في التواليف. ولن نعدم، ان شاء الله، أن يكون فيها بيان تصحيح رأي فاسد يوشك أن يغلط فيه كثير من الناس وتنبيه على أمر غامض، واختصار لما ليست بطالب الحقائق إليه ضرورة، وجمع اشياء مفترقة مع الاستيعاب لكل ما يطالب البرهان إليه اقل حاجة، وترك حذف من ذلك البتة. والانواع التي ذكرنا سبعة لا ثامن لها: وهي إما شيء لم نسبق إلى استخراجه فنستخرجه؛ واما شيء ناقص فنتممه، واما شيء مخطأ فنصححه، واما شيء مستغلق فنشرحه، واما شيء طويل فنختصره، دون ان نحذف منه شيئا يخل حذفه إياه بغرضه واما شيء متفرق فنجمعه، واما شيء منثور فنرتبه. ثم المؤلفون يتفاضلون فيما عانوه من تواليفهم مما ذكرنا على قدر استيعابهم ما قصدوا أو يقصر بعضهم عن بعض، ولكل قسط من الاحسان والفضل والشكر والاجر، وان لم يتكلم الا في مسألة واحدة إذا لم يخرج عن الانواع التي ذكرنا في أي علم ألف. واما من اخذ تأليف غيره فاعاده على وجهه وقدم وأخر، دون تحسين رتبه، أو بدل ألفاظه دون أن يأتي بأبسط منها وأبين، أو حذف مما يحتاج إليه، أو اتى بما [لا] يحتاج إليه، أو نقض صوابا بخطأ، وأتى بما لا فائدة فيه، فإنما هذه أفعال أهل الجهل والغفلة، وأهل القحة والسخف فنعوذ بالله من ذلك .... أ. هـ كلامه رحمه الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير