تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[بين سد الذرائع والعمل بالمصلحة ..]

ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[11 - 10 - 06, 06:00 م]ـ

بين سد الذرائع والعمل بالمصلحة

عبد العزيز بن إبراهيم الشبل

ـ فضيلةَ الشيخ: شاع بين الناس في الآونة الأخيرة ما يعرف بـ ... ، ولا يخفى على فضيلتكم ما في ... من الأخطار؛ فما رأيكم في حكم هذه المسألة؟

ـ حرام.

ـ يتساءل البعض عن دليل التحريم، ويزعم البعض الآخر أن هذا من التشدد في الدين.

ـ لا يوجد دليل صريح في هذه المسألة، وكما تعلم فالنصوص الشرعية لا تحيط بجزئيات الأحكام، وإنما تدل على الأحكام بعمومها، والنص الشرعي له منطوق ومفهوم، و .. ، يقول ابن تيمية: «ولو تأملنا هذه المسألة لوجدناها ذريعة لإفساد المجتمع، فهي حرام لذلك».

وفي الجانب الآخر:

ـ فضيلةَ الشيخ: ... فما الحكم الشرعي لهذه المسألة؟

ـ حلال.

ـ لكن بعض المفتين يقول: إن هذا العمل حرام، ويذكر قول النبي # ... ، فما رأي فضيلتكم؟

ـ صحيح أن الحديث المذكور ورد عن النبي #، ولكن لو نظرنا إلى المجتمع، وتغير حاجات الناس ومصالحهم، لرأيت أننا لا بد أن نقول بالجواز مراعاة لمصلحة المجتمع ...

ـ حتى لو ورد عن النبي # ما يفيد التحريم؟

ـ يا أخي! الحديث المذكور لا يدل صراحة على حكم هذه المسألة، صحيح أنه يدخل في عمومه، وهو ما يتبادر إلى الذهن من الحديث، لكن لا بد أن تكون لنا قراءة جديدة للنصوص الشرعية، ولا يمكن أن نقرأ النصوص الشرعية بعيداً عن المقاصد الشرعية لها، يقول الشاطبي: «وكما تعلم فالدين كله راجع إلى إعمال المصالح ودرء المفاسد».

المشهد السابق مشهد متكرر في ساحة الفتوى، وكثيراً ما يعلل بعض المفتين فتاواهم بسد الذرائع، أو بإعمال المصالح، وبات بعضهم إذا أراد أن يحرِّم شيئاً ـ لا يجد دليلاً على تحريمه ـ يتكئ على سد الذرائع، ومن أراد أن يبيح شيئاً ـ ووقف الدليل الشرعي في وجهه صريحاً بالتحريم ـ يذهب إلى إعمال المصالح، حتى غدا عندنا منهجان واضحا المعالم في الفتوى ـ بالإضافة إلى المناهج الأخرى ـ: منهج: يوسِّع دائرة الذرائع فيضيق على الناس ما أباحه الله. ومنهج: يتمسك بالمصالح المزعومة مغفِلاً النظر فيما سواها.

وحدث نتيجة ذلك ردة فعل طبعية لهذين المنهجين: فتبرَّم بعضهم بسد الذرائع حتى عدّه أكبر سد في العالم، وعد آخرون المصالح طاغوتاً يضاف إلى الطواغيت الجاثمة على صدور المسلمين.

وهذا أدى ببعض الباحثين والمفتين إلى التحرُّز من تعليل الأحكام الشرعية بسد الذرائع، حتى لو كانت الذريعة واضحة كالشمس؛ فلو وُجدت معاملة مالية مستحدثة تؤدي إلى الربا وإلى ما حرمه الله ـ سبحانه وتعالى ـ وكانت الحيلة فيها أوضح من حيلة اليهود في صيدهم الحيتان يوم السبت ما تجرأ أن يقول بالتحريم؛ خوفاً من أن يوصم بأنه (صاحب أكبر سد في العالم).

وعلى الطرف الآخر تجد مسألة من المسائل لا يوجد فيها دليل صريح، بل قد يوجد دليل يشير إلى الإباحة، ومع ذلك تجد بعض الباحثين والمفتين يتحرز من القول بالإباحة استناداً إلى المصلحة الشرعية، خوفاً من أن يوصم بأنه (قليل علم بالنصوص، ولَمَّا أعيته النصوص اتجه إلى المصالح) و (أنه مفتٍ عصراني).

ولو أخذت فتوى لمن يستخدم (سد الذرائع) بكثرة، وأردت أن تستدل لكلامه بالمصالح لما أعجزك ذلك، وكذلك العكس، وخذ مثالاً لذلك: ما يسمى بالتورُّق المبارك، فإنك تستطيع أن تقول بالإباحة استناداً إلى المصالح؛ فالناس محتاجون إليه، ومصالحهم تتعلق به، وإن أردت التحريم قلت: إنه ذريعة واضحة إلى الربا، وتستطيع أن تعكس فتقول: إنه مباح، ولو لم نقل بذلك لانسدت وسائل التمويل في وجوه المسلمين مما يؤدي إلى تركهم للمصارف الإِسلامية واتجاههم إلى البنوك الربوية فنقول بالجواز سداً لذريعة اتجاه الناس إلى الربا، وتقول: إنه محرم؛ فمن مصلحة الاقتصاد الإسلامي أن نقول بذلك، ولو قلنا بهذه الوسيلة لألغينا (كل أو جل) وسائل التمويل الإسلامية الرائدة التي جعلت المصارف اِلإسلامية تنافس حضارياً البنوك التقليدية، وجعلت المسلمين يشاركون في تقديم حلول لمشاكل العالم المعاصر، وهذه الطريقة تلغي الفروق بين المصارف الإسلامية والربوية، مما يجعل المصارف الإسلامية عديمة الجدوى (1).

وعاد الخلاف إلى التلاعب بالألفاظ، لا الاستدلال بالأصول الشرعية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير