(هذه الأمة حفظ الله لها ما أنزله كما قال تعالى: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) , فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط؛ فإن الله يقيم له من الأمة مَنْ يُبَيِّنُهُ ويذكر الدليل على غلط الغالط وكَذِبَ الكاذب؛ فإنَّ هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة , ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة؛ إذْ كانوا آخر الأمم, فلا نبي بعد نبيهم, ولا كتاب بعد كتابهم. وكانت الأمم قبلهم إذا بدلوا وغَيَّرُوا, بعث الله نبيًّا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم, ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي, وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر, وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة, بل أقام الله لهذه الأمة في كل عصر من يحفظ به دينه من أهل العلم والقرآن, وينفي به تحريف الغالين وانتحال المضلين وتأويل الجاهلين). انتهى5 - وقال في (مجموع الفتاوي):
(وكثيرا ما يضيع الحق بين الجهال الأميين وبين المحرفين للكلم .. كما أخبر سبحانه عن أهل الكتاب .. ولَمَّا كان النبى صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن هذه الأمة تتبع سَنَنَ مَنْ قبلها .. وجب أن يكون فيهم من يُحَرِّف الكلم عن مواضعه؛ فيغير معنى الكتاب والسنة فيما أخبر الله به أو أمر به, وفيهم أميون لا يفقهون معانى الكتاب والسن , بل ربما يظنون أن ما هم عليه من الأمانى التى هى مجرد التلاوة ومعرفة ظاهر من القول هو غاية الدين .. وهذا من بعض أسباب تغيير الملل؛ إلا أن هذا الدين محفوظ كما قال تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) , ولا تزال فيه طائفة قائمة ظاهرة على الحق؛ فَلَمْ يَنَلْهُ ما نال غَيْرَه من الأديان مِنْ تحريف كتبها وتغيير شرائعها مطلقا؛ لِمَا يُنْطِقُ الله به القائمين بحجة الله وبيناته؛ الذين يحيون بكتاب الله الموتى, ويُبَصِّرون بنوره أهلَ العمى, فإن الأرض لن تخلو من قائم لله بحجة؛ لكيلا تبطل حجج الله وبيناته). انتهى
6 - وقال في كتابه (تلخيص كتاب الاستغاثة- الرد على البكري):
(والكلام في الأحكام الشرعية لا يقبل من الباطل و التدليس ما ينفق على أهل الضلال و البدع الذي لم يأخذوا علومهم عن أنوار النبوة .. فَيُدْخِلون في دين الإسلام ما ليس منه .. و هيهات هيهات؛ فإن هذا الدين محفوظ بحفظ الله له. ولما كانت ألفاظ القرآن محفوظة منقولة بالتواتر؛ لم يطمع أَحَدٌ في إبطال شيء منه ولا في زيادة شيء فيه, بخلاف الكتب قبله, قال تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون)) , بخلاف كثير من الحديث طمع الشيطان في تحريف كثير منه و تغيير ألفاظه بالزيادة و النقصان و الكذب في متونه وإسناده, فأقام الله له من يحفظه و يحميه و ينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين و تأويل الجاهلين, فَبَيَّنُوا ما أَدْخَلَ أهلُ الكذب فيه وأهل التحريف في معانيه, كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة". وقال صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العِلْمَ مِنْ كل خَلَفٍ عدولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين "). انتهى
8 - وقال الإمام الشاطبي في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة) ,في بيان العلم القطعي: (والشريعة المباركة المحمدية مُنَزَّلَةٌ على هذا الوجه, ولذلك كانت محفوظةً في أصولها وفروعها, كما قال الله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ") انتهى9 - وقال الإمام أيضًا في كتابه (الموافقات في أصول الشريعة):
(إن هذه الشريعة المباركة معصومة, كما أن صاحبها صلى الله عليه وسلم معصوم , وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة.
ويتبين ذلك بوجهين:
أحدهما: الأدلة الدالة على ذلك تصريحًا وتلويحًا كقوله تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) .. فهذه الجملة تدلك على حفظ الشريعة وعصمتها عن التغيير والتبديل
والثاني: الإعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن, وذلك أن الله عز وجل وَفَّرَ دواعيَ الأمة للذَّبِّ عن الشريعة والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل.
أما القرآن الكريم فقد قَيَّضَ الله له حَفَظَةً بحيث لو زِيدَ فيه حرفٌ واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر فضلا عن القراء الأكابر.
¥