12 / قالوا: ولو كانت الصلاة خارج الوقت لا تصح ولا تجب لما أمر النبي الصحابة يوم بني قريظة بتأخير صلاة العصر إلى أن يصلوها فيهم فأخرها بعضهم حتى صلاها فيهم بالليل فلم يعنفهم ولم يعنف من صلاها في الطريق لاجتهاد الفريقين.
13 / قالوا: ولأن كل تائب له طريق إلى التوبة فكيف تسد عن هذا طريق التوبة ويجعل إثم التضييع لازما له وطائرا في عنقه فهذا لا يليق بقواعد الشرع وحكمته ورحمته ومراعاته لمصالح العباد في المعاش والمعاد.
القول الثاني: أنه لا يقضي ماتركه عمدا وعليه بالاستغفار والتوبة والإكثار من الطاعات وهو قول ابن حزم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله.
واستدلوا بما يلي:
1 / قالوا: العبادة إذا أمر بها على صفة معينة أو في وقت بعينه لم يكن المأمور ممتثلا للأمر إلا إذا أوقعها على الوجه المأمور به من وصفها ووقتها وشرطها فلا يتناولها الأمر بدونه.
2 / قالوا: إخراجها عن وقتها كإخراجها عن استقبال القبلة مثلا وكالسجود على الخد بدل الجبهة والبروك على الركبة بدل الركوع ونحوه.
3 / قالوا: العبادات التي جعل لها ظرف من الزمان لا تصح إلا فيه كالعبادات التي جعل لها ظرف من المكان فلو أراد نقلها إلى أمكنة أخرى غيرها لم تصح إلا في أمكنتها ولا يقوم مكان مقام مكان آخر كأمكنة المناسك من عرفة ومزدلفة والجمار والسعي بين الصفا والمروة والطواف بالبيت فنقل العبادة إلى أزمنة غير أزمنتها التي جعلت أوقاتا لها شرعا إلى غيرها كنقلها عن أمكنتها التي جعلت لها شرعا إلى غيرها لا فرق بينهما في الإعتداد وعدمه كما لا فرق بينهما في الإثم قالوا فنقل الصلاة المحدودة الوقت أولا وآخرا عن زمنها إلى زمن آخر كنقل الوقوف بعرفة عن زمنه إلى مزدلفة ونقل أشهر الحج عن زمنها إلى زمن آخر قالوا: فأي فرق بين من نقل صوم رمضان إلى شوال أو صلى العصر نصف الليل وبين من حج في المحرم ووقف فيه فكيف تصح صلاة هذا وصيامه دون حج هذا وكلاهما مخالف لأمر الله تعالى عاص آثم.
4 / قالوا: حقوق الله المؤقتة لا يقبلها الله في غير أوقاتها فكما لا تقبل قبل دخول أوقاتها لا تقبل بعد خروج أوقاتها فلو قال أنا أصوم شوال عن رمضان كان كما لو قال أنا أصوم شعبان الذي قبله عنه.
5 / قالوا: إن الحق الليلي لا يقبل بالنهار والنهاري لا يقبل بالليل ولهذا جاء في وصية الصديق لعمر رضي الله عنهما التي تلقاها بالقبول هو وسائر الصحابة: " واعلم أن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار وحقا بالنهار لا يقبله بالليل ".
6 / قالوا: ولأنها إذا فات وقتها المحدود لها شرعا لم تبق تلك العبادة بعينها ولكن شيء آخر غيرها فإذا فعلت العصر بعد غروب الشمس لم تكن عصرا فإن العصر صلاة هذا الوقت المحدود وهذه ليست عصرا فلم يفعل مصليها العصر ألبتة وإنما أتى بأربع ركعات صورتها صورة صلاة العصر لا أنها هي.
7 / قالوا: وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " من ترك صلاة العصر حبط عمله " وفي لفظ ا" لذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " فلو كان له سبيل إلى التدارك وفعلها صحيحة لم يحبط عمله ولم يوتر أهله وماله مع صحتها منه وقبولها لأن معصية التأخير عندكم لا تحقق الترك والفوات لاستدراكه بالفعل في الوقت الثاني.
8 / قالوا: هذه الصلاة مردودة بنص الشارع فلا يسوغ أن يقال بقبولها وصحتها مع تصريحه بردها وإلغائها كما ثبت في الصحيح عنه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وفي لفظ: " كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد " وهذا عمل على خلاف أمره فيكون ردا والرد بمعنى المردود كالخلق بمعنى المخلوق والضرب بمعنى المضروب وإذا ثبت أن هذه الصلاة مردودة فليست بصحيحة ولا مقبولة.
9 / قالوا: ولأن الوقت شرط في سقوط الإثم وامتثال الأمر فكان شرطا في براءة الذمة والصحة كسائر شروطها من الطهارة والإستقبال وستر العورة فالأمر تناول الشروط تناولا واحدا فكيف ساغ التفريق بينها مع استوائها في الوجوب والأمر والشرطية.
10 / قالوا: وليس مع المصححين لها بعد الوقت لا نص ولا إجماع ولا قياس صحيح.
11 / قالوا: وفي مسند الإمام أحمد وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " من أفطر يوما من رمضان لغير عذر لم يقضه عنه صيام الدهر " فكيف يقال يقضيه عنه يوم مثله.
12 / قالوا: ولأن صحة العبادة إن فسرت بموافقة الأمر فلا ريب أن هذه العبادة غير موافقة له فلا تكون صحيحة وإن فسرت بسقوط القضاء فإنما يسقط القضاء ما وقع على الوجه المأمور به وهذا لم يقع كذلك ولا سبيل إلى وقوعه على الوجه المأمور به فلا سبيل إلى صحته وإن فسرت بما أبرأ الذمة فهذه لم تبريء الذمة من الإثم قطعا ولم يثبت بدليل يجب المصير إليه إبراؤها للذمة من توجه المطالبة بالمأمور.
13 / قالوا: ولأن الصحيح من العبادات ما اعتبره الشارع ورضيه وقبله وهذا لا يعلم إلا بإخباره عن صحتها أو بموافقتها أمره وكلاهما منتف عن هذه العبادة فكيف يحكم لها بالصحة .......
إلى آخر ما ذكره ابن القيم من أدلة.
تنظر هذه الأدلة وغيرها في كتابه مدارج السالكين (1/ 375) وما بعدها.
ينظر في المسألة:
حاشية ابن عابدين (1/ 676) الاستذكار لابن عبد البر (1/ 76) حاشية الدسوقي (1/ 263) المجموع للنووي (3/ 75) الإنصاف للمرداوي (1/ 442) مجموع فتاوى ابن تيمية (22/ 40) الصلاة وحكم تاركها لابن القيم (ص 104) ومابعدها مدارج السالكين (1/ 375) المحلى (2/ 235)
¥