1 - ما هو الدليل على إن الإجماع الظني حجة شرعية تجب الاتباع , وقد نقلت عن الإمام أحمد وابن حزم عدم حجية هذا النوع من الإجماع في ظاهر كلامهم الأصولي وإن كان التطبيق العملي لهما ولغيرهما يخالف ذلك. وهل بمجرد حكاية الإجماع من أحد العلماء يكون هذا حجة شرعية ملزمة وقد وجدنا في مسائل كثيرة حكاية الإجماع من علماء وليس من عالم واحد وكنا نقول هذا إجماع يلزم الأخذ به ثم بعد فترة من البحث الدقيق نجد عدة مخالفين أو قل مثلا بعد خروج بعض المخطوطات المدفونة من تراث الأمة تجد من يخالف هذا الإجماع المحكي
2 - قولك أن قاعدة الأمر يفيد الوجوب ظنية مسلم لك بهذا لكن لا بد من العمل بهذا الظن المعتبر شرعا ما لم يأت دليل يصرفه وإلا لصرف كثير من الأوامر عن الوجوب بدعوى أنها قاعدة ظنية مختلف فيها , فهي قاعدة ظنية نعم لكن يجب العمل بالظن الذي قام عن دليل ما لم يأت ما يخالفه , فهل بمجرد تتبعنا أقوال بعض العلماء الذين وصلت إلينا أقوالهم وكان مذهبهم صرف الأمر في مسئلة معينة من الوجوب إلى الندب يكون قولهم هذا حجة شرعية - حتى لو قلنا حجة شرعية ظنية- ملزمة للأخذ بها وصرف بها الأمر من الوجوب إلى الندب أو حمل العام على بعض أفراده دون بعض
وراجع كلام شيح الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في المجلد 19/ 267: 270 وها هو نص كلامه:
" ومن إدعى إجماعا يخالف نص الرسول من غير نص يكون موافقا لما يدعيه واعتقد جواز مخالفة أهل الاجماع للرسول برأيهم وأن الاجماع ينسخ النص كما تقوله طائفة من أهل الكلام والرأى فهذا من جنس هؤلاء
وأما إن كان يعتقد أن الاجماع يدل على نص لم يبلغنا يكون ناسخا للأول فهذا وإن كان لم يقل قولا سديدا فهو مجتهد فى ذلك يبين له فساد ما قاله كمن عارض حديثا صحيحا بحديث ضعيف اعتقد صحته فان قوله وإن لم يكن حقا لكن يبين له ضعفه وذلك بان يبين له عدم الاجماع المخالف للنص او يبين له انه لم تجتمع الأمة على مخالفة نص إلا ومعها نص معلوم يعلمون أنه الناسخ للأول فدعوى تعارض النص والاجماع باطلة ويبين له أن مثل هذا لا يجوز فان النصوص معلومة محفوظة والأمة مأمورة بتتبعها واتباعها وأما ثبوت الاجماع على خلافها بغير نص فهذا لا يمكن العلم بان كل واحد من علماء المسلمين خالف ذلك النص
والاجماع نوعان قطعى فهذا لا سبيل الى أن يعلم اجماع قطعى على خلاف النص واما الظنى فهوالاجماع الاقرارى والاستقرائى بأن يستقرىء أقوال العلماء فلا يجد فى ذلك خلافا او يشتهر القول فى القرآن ولا يعلم احدا أنكره فهذا الاجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الانسان بصحتها فانه لا يجزم بانتفاء المخالف وحيث قطع بانتفاء المخالف فالاجماع قطعى وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظنى لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن ويقدم عليه الظن الذى هو أقوى منه فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الاجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب فى نفس الأمر واحد
وإن كان قد نقل له فى المسألة فروع ولم يتعين صحته فهذا يوجب له أن لا يظن الاجماع إن لم يظن بطلان ذلك النقل وإلا فمتى جوز ان يكون ناقل النزاع صادقا وجوز أن يكون كاذبا يبقى شاكا فى ثبوت الاجماع ومع الشك لا يكون معه علم ولا ظن بالاجماع ولا تدفع الأدلة الشرعية بهذا المشتبه مع أن هذا لا يكون فلا يكون قط إجماع يجب اتباعه مع معارضته لنص آخر لا مخالف له ولا يكون قط نص يجب اتباعه وليس فى الأمة قائل به بل قد يخفى القائل به على كثير من الناس قال الترمذى كل حديث فى كتابى قد عمل به بعض أهل العلم إلا حديثين حديث الجمع وقتل الشارب ومع هذا فكلا الحديثين قد عمل به طائفة وحديث الجمع قد عمل به أحمد وغيره ولكن من ثبت عنده نص ولم يعلم قائلا به وهو لا يدرى أجمع على نقيضه أم لا فهو بمنزلة من رأى دليلا عارضه آخر وهو بعد لم يعلم رجحان أحدهما فهذا يقف الى ان يتبين له رجحان هذا أو هذا فلا يقول قولا بلا علم ولا يتبع نصا مع ظن نسخه وعدم نسخه عنده سواء لما عارضه عنده من نص آخر أو ظن اجماع ولا عاما ظن تخصيصه وعدم تخصيصه عنده سواء فلا بد أن يكون الدليل سالما عن المعارض المقاوم فيغلب على ظنه نفى المعارض المقاوم وإلا وقف
وأيضا فمن ظن أن مثل هذا الاجماع يحتج به فى خلاف النص إن لم يترجح عنده ثبوت الاجماع أو يكون معه نص آخر ينسخ الأول وما يظنه من الاجماع معه وأكثر مسائل أهل المدينة التى يحتجون فيها بالعمل يكون معهم فيها نص فالنص الذى معه العمل مقدم على الآخر وهذا هو الصحيح فى مذهب أحمد وغيره كتقديم حديث عثمان (لا ينكح المحرم) على حديث ابن عباس وأمثال ذلك
وأما رد النص بمجرد العمل فهذا باطل عند جماهير العلماء وقد تنازع الناس فى مخالف الاجماع هل يكفر على قولين والتحقيق أن الاجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به وأما العلم بثبوت الاجماع فى مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره
وحينئذ فالاجماع مع النص دليلان كالكتاب والسنة
وتنازعوا فى الاجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية والتحقيق أن قطعية قطعى وظنية ظنى والله أعلم " أ. هـ بحروفه
بانتظار مشاركة الجميع بحثا عن الحق أيا كان
وجزاكم الله خيرا
¥