[الأجرة على قدر المشقة فكيف وبعض النوافل]
ـ[أبو عبادة الحمصي]ــــــــ[19 - 03 - 07, 01:56 ص]ـ
نعلم أن الأجرة على قدر المشقة فكيف وبعض النوافل تحتاج إلى مشقة أكثر من بعض الفروض , مثلاً في الصلاة: الوتر و الصبح.
فكيف ذلك؟
ـ[أبو أسلم العدوي]ــــــــ[20 - 03 - 07, 10:42 ص]ـ
قال الإمام عز الدين ابن عبد السلام في قواعد الأحكام: 1/ 52 - 56:
إن قيل: ما ضابط الفعل الشاق الذي يؤجر عليه أكثر مما يؤجر على الخفيف؟:
قلت: إذا اتحد الفعلان في الشرف والشرائط والسنن والأركان، وكان أحدهما شاقا، فقد استويا في أجرهما؛ لتساويهما في جميع الوظائف، وانفرد أحدهما بتحمل المشقة لأجل الله سبحانه وتعالى، فأثيب على تحمل المشقة لا على عين المشاق، إذ لا يصح التقرب بالمشاق، لأن القُرَبَ كلها تعظيم للرب سبحانه وتعالى، وليس عين المشاق تعظيما ولا توقيرا:
ويدل على ذلك أن من تحمل مشقة في خدمة إنسان، فإنه يرى ذلك لا لأجل كونه شق عليه، وإنما يراه له بسبب تحمل مشقة الخدمة لأجله، وذلك كالاغتسال في الصيف والربيع بالنسبة إلى الاغتسال في شدة برد الشتاء؛ فإن أجرهما سواء لتساويهما في الشرائط والسنن والأركان، ويزيد أجر الاغتسال في الشتاء لأجل تحمل مشقة البرد، فليس التفاوت في نفس الغسلين وإنما التفاوت فيما لزم عنهما، وكذلك مشاق الوسائل في من يقصد المساجد والحج والغزو من مسافة قريبة، وآخر يقصد هذه العبادات من مسافة بعيدة، فإن ثوابيهما يتفاوتان بتفاوت الوسيلة، ويتساويان من جهة القيام بسنن هذه العبادات وشرائطها وأركانها؛ فإن الشرع يثيب على الوسائل إلى الطاعات كما يثيب على المقاصد، مع تفاوت أجور الوسائل والمقاصد. وكذلك جعل لكل خطوة يخطوها المصلي إلى إقامة الجماعة رفع درجة وحط خطيئة، وجعل أبعدهم ممشى إلى الصلاة أعظم أجرا من أقربهم ممشى إليها، وكذلك جعل للمسافرين إلى الجهاد - بما يلقونه من الظمأ والنصب والمخمصة والنفقة الصغيرة والكبيرة وقطع الأودية وبما ينالونه من الأعداء وبالوطء الغائظ للكفار - أجر عمل صالح، فكذلك تحمل المشاق الناشئة عن العبادة أو عن وسائل العبادة، ويختلف أجر تحمل المشاق بشدة المشاق وخفتها.
فإن قيل قد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما مسندا عن عائشة أنها قالت: قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ قال: انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم الحقينا عند كذا وكذا. قال أظنه قال: غدا ولكنها على قدر نصبك أو قال نفقتك.
قلت: هذا مشكوك فيه هل قال قدر نصبك أو: على قدر نفقتك؟ فإن كان الواقع قوله: على قدر نفقتك، فلا شك أن ما ينفق في طاعة الله يفرق بين قليله وكثيره، وإن كان الواقع قوله: على قدر نصبك، فيجب أن يكون التقدير: على قدر تحمل نصبك؛ لما ذكرناه، وقد قيل: إن في بعض كتب الله أنه قال: بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي.
وقد علمنا من موارد الشرع ومصادره أن مطلوب الشرع إنما هو مصالح العباد في دينهم ودنياهم، وليست المشقة مصلحة؛ بل الأمر بما يستلزم المشقة بمثابة أمر الطبيب المريض باستعمال الدواء المر البشع، فإنه ليس غرضه إلا الشفاء، ولو قال قائل كان غرض الطبيب أن يوجده مشقة ألم مرارة الدواء، لما حسن ذلك فيمن يقصد الإصلاح، وكذلك الوالد يقطع من ولده اليد المتآكلة حفظا لمهجته ليس غرضه إيجاده ألم القطع، وإنما غرضه حفظ مهجته مع أنه يفعل ذلك متوجعا متألما لقطع يده. وقد قال عليه السلام فيما حكاه عن ربه عز وجل أنه قال: ((وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه)) ولا شك أن المشاق من حيث إنها مشاق تسوء المؤمن وغيره، وإنما يهون أمرها لما يبتنى على تحملها من الأجر والثواب.
ويكون قليل العمل البدني أفضل من كثيره، وخفيفه أفضل من ثقيله، كتفضيل القصر على الإتمام، وكتفضيل صلاة الصبح مع نقص ركعاتها على سائر الصلوات عند من رآها الصلاة الوسطى، وكتفضيل العصر على سائر الصلوات عند من رآها الصلاة الوسطى مع أنها أقصر من صلاة الظهر على ما جاءت به السنة، والله تعالى يؤتي فضله من يشاء، ولو كان الثواب على قدر النصب مطلقا، لما كان الأمر كذلك، ولما فضلت ركعة الوتر على ركعتي الفجر، ولما فضلت ركعتا الفجر على مثلها من الرواتب.
¥