ممن صرح بجواز الاستنجاء بالأولين الإسنوي وغيره وهو في كتب الفلسفة واضح , وأما في كتب المنطق فمبني على ما يأتي عن ابن الصلاح وعلى القول به فشرطه كالأول أن يخلو ذلك الطرس المستنجى به عن أن يكون فيه اسم معظم كما شمله قول الكفاية وغيرها: يحرم الاستنجاء بما عليه اسم معظم كاسم الله أو اسم رسوله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء أو الملائكة. وقول بعض المتأخرين: التقييد بذلك بعيد ; لأنه لم يقع في كلام متقدم ولا متأخر , بل كلهم أطلقوا القول بجواز الاستنجاء بذلك وهم , فإنهم ذكروا ما قيدنا به قبل ذلك بسطر ونحوه فأي حاجة إلى التقييد به حينئذ , وممن صرح بجواز الاستنجاء بالتوراة القاضي حسين , وقيده من بعده بما علم تبديله منها وإلا فهو كلام الله يجب تعظيمه , وواضح مما مر أنه مقيد أيضا بما إذا خلا عن اسم معظم , ثم في تبديلها أقوال: أحدها: أنها كلها بدلت , فلعل القاضي اعتمد هذا ; فأطلق ما مر. ثانيها: بدل أكثرها , وأدلته كثيرة , والأول قيل: مكابرة إذ الأخبار والآيات كثيرة في أنه بقي منها شيء لم يبدل. ثالثها: بدل أقلها ونصره ابن تيمية رابعها: بدل معناها فقط دون لفظها , واختاره البخاري في آخر صحيحه قال الزركشي: واغتر بهذا بعض المتأخرين في حججه وجوز مطالعتها , وهو قول باطل , ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا , والاشتغال بالنظر فيها وبكتابتها لا يجوز بالإجماع {, وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء منها وقال لو كان موسى حيا وما وسعه إلا اتباعي} , ولولا أنه معصية ما غضب منه ا هـ. لكن تعقبه شيخ الإسلام ابن حجر فقال: إن ثبت الإجماع فلا كلام , وقد قيده بالاشتغال بكتابتها ونظرها فإن أراد من يتشاغل بذلك فقط فلا يحصل المطلوب ; لأنه يفهم الجواز إذا تشاغل بغيره معه , وإن أراد مطلق التشاغل فهو محل النظر , وفي وصفه القول المذكور بالبطلان نظر أيضا فإنه نسب لوهب بن منبه , وهو من أعلم الناس بالتوراة ولابن عباس رضي الله عنهما , وكان ينبغي له ترك الدفع بالصدر , ولا دلالة في قضية عمر إذ قد يغضب من فعل المكروه , وخلاف الأولى ممن لا يليق به كتطويل معاذ الصبح بالقراءة , والذي يظهر أن كراهة ذلك للتنزيه , والأولى التفرقة بين الراسخ في الإيمان فله النظر بخلاف غيره لا سيما عند الرد على المخالفين , ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم , ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه لما فعلوه وتواردوا عليه ا هـ. وما ذكره واضح فلا محيد عنه , وإن اعتمد السبكي ما ذكره الزركشي وأطال في الانتصار له , ونقله عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني ثم قال: وهذا هو الذي اتفق عليه من يعتمد عليه من أئمة الإسلام والشافعي وأصحابه كلهم متفقون على ذلك ثم قال بعد كلام طويل: (وبعض الناس يعتقد أن نظره في ذلك فضيلة , وهو عين النقصان) وقال قبل ذلك احتجاجا على وجوب إعدامها: (إذا دخلت تحت أيدينا أنها جمعت شيئا من كلام باطل قطعا , وقد اختلط بما لم يبدل من غير تمييز فوجب إعدام الجميع ولا يتوقف في هذا إلا جاهل ا هـ. فليحمل ما ذكره هو والزركشي وغيرهما على غير متمكن أو متمكن لم يقصد بالنظر فيها مصلحة دينية أما متمكن قصد ذلك فلا وجه لمنعه ويأتي ما ذكر فيها في الإنجيل , وأما الاشتغال بالفلسفة والمنطق فقد أفتى بتحريمه ابن الصلاح وشنع على المشتغل بهما وأطال في ذلك , وفي أنه يجب على الإمام إخراج أهلهما من مدارس الإسلام وسجنهم وكفاية شرهم قال: وإن زعم أحدهم أنه غير معتقد لعقائدهم , فإن يكذبه , وأما استعمالات الاصطلاحات المنطقية في الأحكام الشرعية فمن المنكرات المستشنعة , وليس بها افتقار إلى المنطق أصلا , وما يزعمه المنطقي للمنطق من الحد والبرهان فقعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية هذا حاصل شيء من كلامه , وما ذكره في الفلسفة صحيح ومن ثم قال الأذرعي وما ذكرته من تحريمها هو الصحيح أو الصواب , وقد بين ذلك الشيخ ابن الصلاح في فتاويه , ونصوص الشافعي رضي الله عنه ناصة على تقبيح تعاطيه , ونقل عنه التعزير على ذلك ا هـ. وأما ما ذكره في المنطق فمعارض بقول الغزالي في مقدمة
¥