الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ , وَمِثَالُ الْحِكْمَةِ وَالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ مَظِنَّةٍ فِيمَا هُوَ مُنْضَبِطٌ الرَّضَاعُ وَصْفٌ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ يُصَيِّرُ جُزْءَ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ اللَّبَنُ جُزْءَ الصَّبِيِّ الرَّضَاعُ فَنَاسَبَ التَّحْرِيمُ بِذَلِكَ لِمُشَابِهَتِهِ لِلنَّسَبِ ; لِأَنَّ مَنِيَّهَا وَطَمْثَهَا جُزْءُ الصَّبِيِّ فَلَمَّا كَانَ الرَّضَاعُ كَذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم {الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ} فَالْجُزْئِيَّةُ هِيَ الْحِكْمَةُ وَهِيَ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَالرَّضَاعُ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ , وَوَصْفُ الزِّنَا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَحِكْمَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ اخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ فَاخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْحِكْمَةُ وَوَصْفُ الزِّنَا فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ , وَكَذَلِكَ ضَيَاعُ الْمَالِ هُوَ الْمُوجِبُ لِكَوْنِ وَصْفِ السَّرِقَةِ سَبَبَ الْقَطْعِ فَضَيَاعُ الْمَالِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى , وَوَصْفُ السَّرِقَةِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ , وَلَمَّا كَانَ وَصْفُ الرَّضَاعِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ مُنْضَبِطًا لَمْ يُحْتَجْ إلَى مَظِنَّةٍ تَقُومُ مَقَامَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَلَمْ يُحْتَجْ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ , وَيَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ أَنْ يَلْزَمَ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ صَبِيٌّ مِنْ لَحْمِ امْرَأَةٍ قِطْعَةً أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ جُزْأَهَا صَارَ جُزْأَهُ. وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَوْ وُجِدَ إنْسَانٌ يَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِمْ صِغَارًا وَيَأْتِي بِهِمْ كِبَارًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا بِسَبَبِ أَنَّهُ أَوْجَبَ اخْتِلَاطَ الْأَنْسَابِ , وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَأَنَّ مَنْ ضَيَّعَ الْمَالَ بِالْغَصْبِ وَالْعُدْوَانِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَعَانِي خَالَفَ الْجُمْهُورُ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ , فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَظِنَّةِ وَالْوَصْفِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ , وَبَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَظِنَّةِ فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ , وَذَلِكَ أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا قَطَعْنَا بِعَدَمِهَا لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ كَمَا إذَا قَطَعْنَا بِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ مِنْ الزِّنَا بِأَنْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ , وَيَظْهَرَ عَدَمُ حَمْلِهَا وَمَعَ ذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ وَنَأْخُذُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنْ السَّارِقِ , وَنَجْزِمُ بِعَدَمِ ضَيَاعِ الْمَالِ , وَمَعَ ذَلِكَ نُقِيمُ حَدَّ السَّرِقَةِ. وَأَمَّا الْمَظِنَّةُ فِيهَا بِعَدَمِ الْمَظْنُونِ فَالْغَالِبُ فِي فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ , وَذَلِكَ فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ الْعُقُودِ النَّاقِلَةِ لِلْأَمْلَاكِ أَوْ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ تِلْكَ الْمَظَانَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بِالْإِكْرَاهِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَهَذَا فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ الْمَظِنَّةِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَطْعَ بِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لَا يَقْدَحُ , وَالْقَطْعَ بِعَدَمِ مَظْنُونِ الْمَظِنَّةِ يَقْدَحُ , وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهَذِهِ التَّفَاصِيلِ فَهِيَ وَإِنْ انْبَنَى عَلَيْهَا بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ فَهِيَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَهَاءُ رحمهم الله كَثِيرًا فِي مَوَارِدِ الْفِقْهِ وَالتَّرْجِيحِ وَالتَّعْلِيلِ ... ... ).
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[29 - 05 - 07, 12:54 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الفهم الصحيح على الفوائد القيمة وجعلها في ميزان حسناتك.
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[29 - 05 - 07, 01:49 م]ـ
ولي في هذا الشأن أبيات نظمتها قديما:
ـ ولْتمْنَعَنْ تعليلَنا بالحكمِ ...... لفقْد الانضباط فيها فاعلمِ.
ـ ووصْف الاطِّراد فيها يفقدُ ..... عند وجود الحكم والمعتمدُ.
ـ إجرائه ويحسن مثالا ....... قطع اليد وإن حفظنا المالا.
ولك يا أخي الفهم الصحيح التعقيب والتوجيه و التعديل وبوركت.
ـ[حمد بن صالح المري]ــــــــ[29 - 05 - 07, 02:09 م]ـ
أخي أبا عبد الله حفظك الله تعالى ووفقني وإياك لكلّ خير، أبيات جميلة ومفيدة ... أثابك الله ...
أرجو النظر في:
إجرائه ويحسن مثالا ...
فليس موزوناً
وجزاك الله خيراً على فوائدك ...
¥