(واعلم أن ما قاله الإمام وتبعه المصنف في أن الشافعي رضي الله عنه يجوز القياس في الكل صحيح فيما عدا الرخص أما الرخص فلا لأنه نص في الأم على المنع فقال في آخر صلاة العيد ولا يُعدى بالرخصة موارضعها وكذا نقله البويطي)
وقال العراقي في الغيث الهامع (3/ 649):
(وما ذكرناه من جريان القياس في الرخص هو مذهب الشافعي كما حكاه الإمام وغيره لكنه نص في البويطي على أنه لا يجري فيها فلعل له في ذلك قولين ويدل له اختلاف جوابه في جواز العرايا في غير الرطب والعنب قياسا)
ومنهم من رأى أن مورد النصين متباين فحمل أحدهما على محمل والآخر على محمل مغاير
قال الخطيب الشربيني في حاشيته على البناني على المحلي على جمع الجوامع: (2/ 206): (أي ويُقتصر في أصول الرخص بمعنى أن لا يقاس على رخصة رخصة أخرى بخلاف رخصة واحدة وهذا محل ما في الفروع)
وتوضيح ذلك انه لا يجوز أن يقاس على اصل رخصة المسح على الخفين غيرها فيمسح على العمامة أو على اليدين او على النقاب مثلا قياسا على الخف ولكن يمكن أن يقاس على الخف ما هو في معناه مما يسخن الرجل كالجوربين والجرموقين
ولا يجوز أن يقاس على رخصة الاستنجاء بالأحجار غيرها فتستباح إزالة النجاسة من غير المخرجين بالاحجار قياساولكن يجوز أن يقاس على الأحجار غيرها من انواع المزيلات المنقية قياسا على غزالتها يالأحجار عن نفس المحل
ولا يقاس على العرايا غيرها مما فيه إرفاق بالفقراء أو الأغنياء فيستثنى من أصل المزابنة أو الربا ولكن يقاس على التمر غيره مما هو في معناه كالتمر والتين مثلا
وما حصل من الخلاف عند الشافعية فيما سوى العنب ليس السبب فيه الخلاف في هذا الأصل وإنما سببه عدم تحقق العلة التي هي مناط الحكم فقصورها في بعض الثمار عن مساواة الاصل في سبب الترخيص قصر بها في الحكم.
ولم يقع الخلاف المتقدم بين الشافعية في الزبيب لكمال العلة على الراجح من كون ذلك قياسا وثم قول عندهم ان دخول العنب في مفهوم العرية بالنص لا بالقياس
(انظر البحر المحيط في النقل الطويل في المشاركة السابقة لسليمان المصري)
وإذا تأملت الأمثلة الكثيرة التي ذكرها الزركشي في البحر بل والتي ذكرها غيره تجد أن ما كان منها مقبولا عند الفقهاء فإنه راجع غلى القياس داخل الرخصة وما كان منه مرفوضا فإنه داخل في القياس على اصل الرخصة
فيتحرر من ذلك أنه لا خصوصية للشافعي في هذا الباب فالقياس داخل الرخصة مستعمل في فروع المذاهب كلها وما تخلف منه إنما هو لتخلف العلة
قال في البحر (ويحتمل كون المنع عنه لأن علته قاصرة لا من حيث كونه رخصة)
وقال القرطبي كما في البحرالمحيط:
(يحتمل التفصيل بين أن لا يظهر للرخصة معنى فلا يقاس عليها وبين أن يظهر فيقاس)
وقال الشنقيطي في المذكرة (والمستثنى من قاعدة القياس منقسم إلى ما عُقل معناه وإلى ما لم يُعقل إلخ فالأول يصح أن يقاس عليهما وجدت فيه العلة كاستثناء العرايا للحاجة فلا يبعد قياس العنب على الرطب في ذلك إذا تبين أنه في معناه)
وكل هذه النقول والأمثلة كما رأيت هي في القياس داخل الرخصة الواحدة
وليس ثم مثال لقياس أصل رخصة على رخصة أخرى قال به الشافعي أوغيره من أهل العلم
وسوف أعمق البحث في هذه المسألة غن شاء الله وانشره عندما أصل إلى هذا الموضع من منتقى النقول
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[05 - 01 - 08, 04:26 م]ـ
أسرتني هذه العبارات بجمالها وفقهها أيها الشيخ المبارك.
جزاك الله خيراً
ـ[أبو نظيفة]ــــــــ[06 - 01 - 08, 01:22 ص]ـ
لعلك تراجع: أصول فقه الإمام مالك (أدلته العقلية) للدكتور/ فاديغا موسى