تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذه المقالة تحاول أن تسلط الضوء على إسهامات المغاربة في مجال علم الأصول، وأنهم كغيرهم من العلماء كانوا يتعاملون مع كتب الأصول دراسة وتدريسا وبحثا وإنتاجا، وفيه ما يدفع تلك التهمة التي ألصقت بهم .. ورغم كثرة إنتاجاتهم في هذا الميدان إلا أنهم لم يصلوا في هذا الفن إلى ما وصل إليه إخوانهم المشارقة، كما أن إنتاجاتهم في الغالب كانت تنصب على مؤلفات المشارقة؛ يتناولونها بالشرح والتعليق دون أن يتعمقوا في ذلك تعمق المشارق ...

عندما يؤرخ الأصوليون لعلم أصول الفقه يجمعون-أو يكادون-على أن الإمام الشافعي (204هـ) هو أول من اهتدى لوضع هذا الفن، فهو الذي أصل أصوله، وبين مناهجه، وأرسى قواعده، وذلك بناء على طلب وجه إليه من الفقيه المحدث الشهير عبد الرحمن بن مهدي (198هـ) تلميذ الإمام مالك وشيخ المحدثين بالعراق يلتمس منه أن يضع كتابا يذكر فيه معاني القرءان وشروط قبول الأخبار وحجية الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرءان والسنة، فوضع لذلك كتابه الشهير "الرسالة" ومن ثم قال الفخر الرازي (606هـ): " إ ن نسبة الشافعي إلى علم الأصول كنسبة "أرسطوطاليس" إلى علم المنطق، وكنسبة الخليل بن أحمد إلى علم العروض". غير أن هناك من لا يرى هذا الرأي، ويذهب إلى أن الإمام أبا حنيفة (150هـ) كان أسبق إلى التأليف في هذا الفن، وأن الشافعي ما هو إلا تابع له ومقتفٍ أثره، فأبو حنيفة هو الذي بين طرق الاستنباط في كتابه "الرأي" وتلاه صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ولعلَّ الصواب ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن الشافعي أول من دون في هذا الفن، وهذا لا يعني أن من سبقه من الأئمة لم يكن لهم اهتمام بهذا الجانب، أو كانوا على جهل بهذا العلم، ويدلُُّك على ذلك أن الرازي الذي قدمنا كلامه، عاد فذكر أن الناس كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه، ويستدلون ويعترضون بدون قانون كلِّي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، فهو اعتراف منه بأن من سبق الشافعي كان يعرف مسائل أصول الفقه يستدلون بها، ويسيرون على هديها، ويستنبطون الأحكام على ضوئها، والقاضي أبو بكر ابن العربي (543هـ) يثبت في كتابه" القبس" أن مالكا بين في كتابه"الموطأ" أصول الفقه وفروعه، وذكر أنه بناه على تمهيد الأصول للفروع، ونبه فيه على معظم أصول الفقه التي ترجع إليها مسائله وفروعه، والحق أن كل إمام من هؤلاء ساهم بقسطه وأدلى بدلوه، وكان على جانب من المعرفة بهذا الفن غير يسير ..

فإن يكن للإمام الشافعي الفضل، ففي تنظيم قواعد هذا العلم وتوضيح منهجه، بعد أن استفاد من ملاحظات وإشارات من سبقه من الأئمة، فهو لم يضف إلاَّ أنّه قنّن هذا العلم، ورسم له المنهج النهائي يحتكم إليه، بعد أن مهد له من سبقه، وأيا ما كان الأمر، فإن هذا العلم بعد رسالة الشافعي أصبح علما مستقلا، مرتب الأبواب، محرر المسائل، مدقق الأبحاث، ممهد القواعد، مهذب الفصول، ومن ثم ألفت فيه المؤلفات بعده، وصنفت المصنفات وتنوعت إلى طريقتين: طريقة المتكلمين، وطريقة الفقهاء، قبل أن تظهر الطريقة الثالثة التي جمعت بينهما، والموضوع لا يسمح لنا بالحديث عن هذه الطرق، والمصنفات في كل طريق، ولكننا نريد أن نعرف المجهودات التي بذلها علماء المغرب في هذا السبيل وما كان لهم من إسهامات وابتكارات أو إضافات، وسنفاجأ في البدء بقضية رسخت في أذهان الناس، دهرا طويلا، مفادها: أن المغاربة كانوا قاصرين في علم الأصول، عازفين عنه، منفرين منه، لا يحتفلون بكتبه، ولا يتناظرون في مسائله وقواعده، بل سمعنا من يزعم أن المغاربة لم يكن فيهم أحد يفهم الأصول (هكذا بهذا الجزم .. )!!

ولعل أول من أثار هذه التهمة هو الفقيه الفيلسوف أبو الوليد بن رشد الحفيد (595هـ) فقد ورد في كتيبه "فصل المقال" أن علم الأصول يروج في جميع البلدان ما عدا المغرب (1)، وتبنى رأيه هذا المقري (1041هـ) في"النفح"، فعندما تحدث عن فنون العلم التي اهتم بها المغاربة وبرعوا فيها، والتي فاقوا غيرهم في بعضها قال: "وعلم الأصول عندهم متوسط الحال" (2)، وذات يوم حضرت مناقشة رسالة في دار الحديث الحسنية زعم أحد مناقشيها أن أهل المغرب لم يكن فيهم أحد يفهم الأصول وتحدى المناقش (بفتح القاف) الحاضرين أن يثبتوا عكس ذلك (وكلامه مسجل على شريط المناقشة وأذيع)، فهل كان المغاربة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير