قياس المصدر أن يأتي على (فَعْل) بفتح الفاء، ولا يمتنع ورود المصدر على (فُعْل) بالضم، ولكنه خلاف الأصل، وأنت ضربت مثالا على المصدر بقولك (طرق يطرق طرقا)، ومعلوم أن (الطرق) بفتح الطاء لا بضمها، فلا يصلح هذا للتمثيل، ويمكنك أن تمثل بأشياء أخرى كقولهم (شكر يشكر شُكرا) مثلا.
وأما بخصوص هذه المادة فإذا أردت المنع، فإن تصريف الفعل يكون (حكم يحكم حَكْما) بفتح الحاء، وليس بضمها، أما (الحُكم) بالضم فهو مصدر (حكم عليه حُكما).
وأما (أحكم) فهو يرد أيضا بمعنيين، وكلاهما يتصرف على المهيع (أحكم يُحكم إحكاما)، المعنى الأول - وهو الأصل - المنع أيضا، ومنه بيت جرير السابق، والمعنى الثاني - وهو الفرع - بمعنى الإتقان، ويقولون: هو مشتق من حكمة الفرس أو البعير وهو اللجام الذي يحيط بفكيه؛ لأنه يمنعه من الحركة.
ولا يمكن حمل بيت جرير على معنى الإتقان؛ إذ لا يقال: أتقنوا سفهاءكم.
وسبب المناسبة بين (الإتقان) و (المنع) أن الشيء المتقن هو الذي يكون ممنوعا من دخول الفساد، أو من ورود العوارض عليه، أو يكون ممنوعا من الزوال عن مواضعه.
وقريب من ذلك أيضا اشتقاق (العقل)، فهو مشتق من (عقال) البعير؛ لأنه يمنعه أيضا من الحركة، ولذلك يقولون: (إذا عقَلَك عقلُك عما لا ينبغي فأنت عاقل)، فالعقل في الأصل هو الذي يعقلك - أي يمنعك - من الأشياء الفاسدة، فاشتُق اللفظ المعنوي من اللفظ المادي كما هي عادة العرب في الاشتقاق.
وقريب من ذلك أيضا اشتقاق (الأسر) بمعنى إحكام الخلق، وهو في الأصل مشتق من (الإسار) وهو القيد الذي كانوا يقيدون به (الأسير) أي المأسور، فالأسر أيضا هو المنع أو الربط بالإسار، فصار الأسر هو الخلق؛ لأنه محكم متماسك، قال تعالى: {وشددنا أسرهم} أي أحكمنا خلقهم.
فكل هذه المواد (حكم) (عقل) (أسر) وغيرها، هي في الأصل بمعنى (المنع)، ثم عبر عنه بلازمه وهو الإتقان؛ لأن الإتقان ما هو إلا منع دخول الفساد على الصنعة.
والله تعالى أعلم.
ـ[عبدالله نياوني]ــــــــ[27 - 07 - 07, 06:31 م]ـ
أحسنتم بارك الله فيكم
ـ[مهنَّد المعتبي]ــــــــ[27 - 07 - 07, 06:34 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي الفاضل على هذا البيان الشافي،،،،
أما تمثيلي بالطرق فلم أتأمله جيداً،، جزيت خيراً على التنبيه،،
ـ[توبة]ــــــــ[10 - 12 - 07, 09:28 م]ـ
أبو مالك العوضي:
وأما بخصوص هذه المادة فإذا أردت المنع، فإن تصريف الفعل يكون (حكم يحكم حَكْما) بفتح الحاء، وليس بضمها، أما (الحُكم) بالضم فهو مصدر (حكم عليه حُكما).
وأما (أحكم) فهو يرد أيضا بمعنيين، وكلاهما يتصرف على المهيع (أحكم يُحكم إحكاما)، المعنى الأول - وهو الأصل - المنع أيضا، ومنه بيت جرير السابق، والمعنى الثاني - وهو الفرع - بمعنى الإتقان، ويقولون: هو مشتق من حكمة الفرس أو البعير وهو اللجام الذي يحيط بفكيه؛ لأنه يمنعه من الحركة.
جازاكم المولى خيرا.