ثالثا: أما من قال إنه حجة وليس بإجماع فالخلاف معه لفظي إن شاء الله تعالى، قال الزركشي: «وحكى الأستاذ أبو إسحاق في تعليقه والبنديجي في الذخيرة قولين في أن لفظ الإجماع هل يطلق على القطعي والظني، أو لا يطلق إلا على القطعي؟ وصرحا بأنه خلاف في العبارة».
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والذي كانوا يذكرون الإجماع كالشافعي وأبي ثور وغيرهما يفسرون مرادهم بأنا لا نعلم نزاعا ويقولون هذا هو الإجماع الذي ندعيه».
والشافعي نفسه قد ورد عنه ما يدل على عد الإجماع في الأدلة الظنية وقد نقلتها في الفقرة الثانية من الفرع الأول، وقد احتج بعدم العلم بالخلاف وسماه إجماعا، فالذي يجتمع عنده كلام الشافعي أنه لا إجماع مقطوع به إلا في علم العامة أما الإجماع في علم الخاصة فغير مقطوع به والله أعلم.
رابعا: وأما من قال بأن له قولان مختلفان بين القديم والجديد، فيرد قوله بأن الاحتجاج بعدم العلم المخالف والنصوص السابقة قد وردت في الجديد، في الرسالة واختلاف الحديث، وفي الأم في الكتب التي لا شك أنه صححها ونقحها لأنه -كما سبق ذكره في الباب الأول – ثمة كتب في الأم هي نفسها كتب القديم لم ينقحها الشافعي ولم يصححها، وهي كتب الصيام والحدود والصداق والرهن الصغير والجنائز. والأمثلة التي نقلنا في الفقرة الثالثة من كتب الزكاة والديات والجزية ونزيد منها أمثلة من الطهارة والصلاة والحج:
1 - قال: «ولم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضئ فرضا، ولم أعلم اختلافا في أن المتوضئ لو تركها عامدا أو ناسيا لم يعد».
2 - قال: «قال الله جل وعز: {وأيديكم إلى المرافق} فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل».
3 - قال: «ولم أعلم مخالفا في أنه إذا جاء المسجد وقد خرج من الصلاة كان له أن يصلي بلا آذان ولا إقامة».
4 - قال: «فلم نعلم خلافا في أن لا جمعة عليه إلا في دار مقام، ولم أحفظ أن الجمعة تجب على أقل من أربعين رجلا».
5 - قال: «وإني لا أعلم مخالفا في رجلا لو حج عن رجل يقدر على الحج لا يجزئ عنه من حجة الإسلام».
6 - قال: «لم يختلف الناس علمته أن المعتدة تخرج من بيتها لإقامة الحد عليها وكل حق لزمها».
خامسا: وأما من قال بأن له في الجديد قولان فيعلم بطلان قوله مما سبق إذا أضيف إلى ما ذكر أولا، من أن قوله لا ينسب لساكت قول لا ينفي الاحتجاج بالإجماع السكوتي، وإنما غايته النهي عن الجزم بذلك أو بتعيين النسبة إلى غير القائل والله أعلم.
سادسا: وكذلك بقية الأقوال جوابها إجمالا هي أنها محاولة جمع بين النص الوارد عنه بأن لا ينسب إلى سكت قول وبين نصوصه الدالة على الحجية فمنهم من زعم أنه لا ينسب إلى ساكت قول إذا كان القائل حاكما، لأن السياق التي وردت فيه تلك العبارة هو ما قضى به الخلفاء، ومنهم من قال يقبل فيما يدوم ويتكرر أو إذا كان فيما تعم به البلوى لأن السكوت في مثل هذا لا يكون إلا عن موافقة ومنهم من قال إذا كان الساكتون أقل قبل ولعل من نسب إليه هذا رأى أنه ذكر تلك العبارة في قول الأقل وسكوت الأكثر، ومنهم من قال القبول خاص بعصر الصحابة ربما لأنه رأى الشافعي يحتج بقول الصحابي إذا لم يعرف مخالف، وكل هذا الأقوال تردها التطبيقات العملية التي ذكرنا والله أعلم.
ـ[محمد حاج عيسى]ــــــــ[30 - 07 - 07, 01:03 م]ـ
المرفق الذي أدرجت فيه الهوامش هو هذا وليس الأول فعذرا
ـ[تلميذة الملتقى]ــــــــ[30 - 07 - 07, 01:23 م]ـ
جزاك الله خيراً
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[31 - 07 - 07, 12:37 ص]ـ
بارك الله فيك ياشيخ محمد وجزاك الله خيراً
بحث رائع يرفع كثيراً من الإشكالات حول هذه المسألة في هذا العصر، وبقي تحقيق قول الإمام أحمد _ رحمه الله _ لعل الله ييسر لمن يحقق ويحرر قوله في الإجماع؛ لأني وجدت كثيراً من الخبط في قول هذين الإمامين واستعمال ما ورد عنهما من نصوص فيما ظاهره رد الإجماع لإسقاط حجية الإجماع أو لرد بعض المسائل التي نقل فيها الإجماع وكثر الخوض فيها في هذا العصر، وذلك لعدم رجوع كثير من هؤلاء إلى أقوال المحققين من أصحاب الشافعي وأحمد والنظر فيما قالوه حول هذه النصوص، وعدم النظر في الفروع المنقولة عنهما والتي توضح مرادهما في هذه النصوص.
و أخذ النصوص مبتورة دون معرفة تأويلها وتفسيرها يوقع المرء في الخطأ سواء في هذه المسألة أو غيرها من المسائل.
ـ[الدكتور صالح محمد النعيمي]ــــــــ[31 - 07 - 07, 11:37 ص]ـ
بارك الله فيك ياشيخ محمد واحسن اليك على هذه الكلمات الرائعة
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[01 - 08 - 07, 01:01 م]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخي الكريم
ـ[الدكتور صالح محمد النعيمي]ــــــــ[01 - 08 - 07, 01:13 م]ـ
اني الحبيب اللبيب وصلك الرد على الخاص
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[01 - 08 - 07, 01:20 م]ـ
اني الحبيب اللبيب وصلك الرد على الخاص
نعم وصل، جزاكم الله خيرا
¥