تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى هذا فالنطق بالضاد وارد في بيئة الحجاز في المدينة وفي بيئة البدو الشرقية في تميم وقيس وأسد.

وإذا رجعنا إلى من اتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه وجدنا النطق بالظاء لدى عائشة وروته عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وجاء النطق بالظاء عن عبد الله بن مسعود وابن عمر وابن الزبير وهؤلاء جميعاً من البيئة الحجازية وجاء النطق بالضاد عن عثمان رضي الله عنه وهو قرشي " "

وجاء النطق بالضاد والظاء معاً عن عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت وهما من بيئة الحجاز فالأول ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني من كتاب الوحيّ، وإذا كان النطق بالضاد والظاء نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا غرابة أن ينسب إليهما.

وإذا كان ظنين بمعنى متهم، وضنين بمعنى بخيل فالمعنيان واردان في بيئة الحجاز، فالمعنى الأول لهذيل، والثاني لقريش " ".

ويرجح الدكتور أنيس رأي ابن جرير الطبري الذي يقول: (وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك بضنين بالضاد لأن ذلك كله كذلك في خطوطها) " ".

ويخلص الدكتور أنيس إلى أن القراءة بالظاء إنما كانت على أساس لهجة بعض العرب القدماء ممن كانوا ينطقون بالضاد ظاء " ". ونقول كما قررنا سابقاً إن النطق بالضاد والظاء وارد في البيئة الحجازية الغربية والبيئة الشرقية، وإذا كان النطق بالضاد ظاء لهجة قديمة كما يرى الدكتور أنيس فقد بقي هذا النطق مع أهل هذه اللهجة سواء من بقي في منطقة البدو منهم أو انتقل إلى بيئة الحضر. وكلام ابن جرير سبق تفسيره والقراءتان ثابتتان متواترتان () وليس ثم داع لتفضيل النطق بالضاد على النطق بالظاء.

عض وعظ

يقول البطليوسي: العظ والعض: شدة الحرب وشدة الزمان ولا تستعمل الظاء في غيرهما، قال الفرزدق:

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف " "

ويقول ابن بري: (عضه القتب وعضه الدهر والحرب وهي عضوض)

قال المخبل السعدي:

غداة جني على بنيّ حربا وكيف يداي بالحرب العضوض " "

وجاء في اللسان: (العظ: الشدة في الحرب، وقد عظته الحرب بمعنى عضته وعظه الزمان لغة في عضه) " ".

وهنا نلاحظ أن النطق بالضاد هو الشائع المنتشر والنطق بالظاء محصور في عدد قليل، وقول صاحب اللسان: وعظه الزمان لغة في عضه يشهد لما قلنا والفرزدق تميمي " "، والمخبل السعدي تميمي أيضاً " "

فاظت نفسه وفاضت.

يقول الفراء: (أهل الحجاز وطئ يقولون فاظت نفسه وقضاعة وتميم وقيس يقولون فاضت نفسه، مثل فاضت دمعته) " "، ويقول أبو زيد وأبو عبيدة: (فاظت نفسه، بالظاء لغة قيس وبالضاد لغة تميم) " "

وروى المازني عن أبي زيد أن العرب تقول: (فاظت نفسه بالظاء إلا بني ضبة فإنهم يقولونه بالضاد) " "، ويقوي هذه الرواية ما ورد عن أبي حاتم، قال: سمعت أبا زيد يقول: (بنوا ضبة وحدهم يقولون فاضت نفسه) " ".

وجاء في الغريب المصنف: (فاظت نفسه تفيظ: مات. وناس من تميم يقولون فاضت نفسه تفيض) " "، وورد عن أبي عبيدة: (كل العرب تقول: فاضت نفسه بالضاد إلا بني ضبة فإنهم يقولون فاظت نفسه بالظاء) " ".

وهذه الروايات تفيد الآتي:

1 ـ أن النطق بالضاد ينسب إلى قضاعة، وتميم، وقيس، وأن النطق بالظاء ينسب إلى الحجاز وطيئ.

ـ أن العرب بما فيهم الحجاز، وطيئ، وقضاعة، وقيس، وأسد يقولون بالظاء إلا بني ضبة فإنهم يقولون بالضاد.

ـ ضبة وحدها تقول بالظاء وباقي العرب بما فيهم الحجاز، وطيئ، وقضاعة، وتميم، وقيس تقول بالضاد.

ـ بنوا ضبة ينسب إليهم النطق بالضاد في رواية وبالظاء في رواية أخرى.

ـ تميم ينسب إليها النطق بالضاد في رواية، وناس منها ينسب إليهم النطق بهذه الضاد في رواية أخرى.

وأصل من هذا كله إلى أن بعض أفراد القبيلة كان يؤثر الضاد والبعض الآخر كان يؤثر الظاء. والضاد والظاء ـ كما سبق ـ متجاوران في المخرج، ومتفقان في الجهر والرخاوة والإطباق والاستعلاء، مما يجعل من اليسير انتقال مخرج الضاد إلى الظاء. وقد وقع هذا التبادل بينهما في اللغة الأوجريتية التي كان يكتب بها في القرن الرابع عشر قبل الميلاد " ". كما وقع هذا التبادل بينهما في جنوب بلاد العرب " ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير