تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يقصد بوقوع التبادل بينهما أن الذي نطق بالضاد من العرب أبدلها ظاء أو العكس إلا إذا كان يلهو أو يعبث، لأن المتكلم لا بد أن يثبت على نطق واحد في كلمة واحدة في زمن واحد، ومن ثم يقول أبو الطيب اللغوي: (ليس المراد من الإبدال أن العرب تتعمد تعويض حرف من حرف، وإنما هي لغات مختلفة لمعان متفقة تتقارب اللفظتان في لغتين لمعنى واحد حتى لا يختلفا إلا في حرف واحد) " "، ووضح ذلك بأن القبيلة الواحدة لا تتكلم بكلمة طوراً مهموزة وطوراً غير مهموزة، ولا بالصاد مرة، وبالسين أخرى، وكذلك إبدال لام التعريف ميماً، والهمزة المصدرة عيناً، كقولهم في أن: عن (لا تشترك العرب في شئ من ذلك إنما يقول هذا قوم آخرون) " ".

هيظلة وهيضلة.

يقول البطليوس: (ويقال للجماعة من الناس إذا خرجت في الغزو: هيظلة وهيضلة والمشهور فيها الضاد) وحكاها العتقي بالظاء ولم أر ذلك لغيره،

قال ساعدة بن جؤبة الهذلي:

أزهير إن يشب القذال فإنه رب هيضل مسرس لففت بهيضل " "

وجاء في اللسان: (والهيضل الجيش الكثير واحدهم هيضلة)

قال الكميت:

وحول سريرك من غالب ثبى العز والعرب الهيضل

وقال الكميت (أيضاً):

في حومة الفيلق الجأواء إذ نزلت قيس وهيضلها الخشخاش إذ نزلوا

وإذا نسبنا الشعراء إلى قبائلهم فإن ساعدة بن جؤبة من بني كعب بن كاهل من سعد هذيل. ونسبة البيت في ديوان الهذليين إلى أبي كبير الهذلي، لا يخرجه عنها والكميت بن زيد من بني أسد.

وهذيل من الحجاز وبنو أسد ممن يتوطنون شبه الجزيرة وشرقها ونصل بعد ذلك إلى أن النطق بالضاد بوجوهها المختلفة ليس محصوراً في قريش كما ذهب الدكتور أنيس إلا إذا أردنا إخراجها من جانبي اللسان فقد نسب هذا النطق إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وإلى عمر بن الخطاب وقد أفادتنا هذه النصوص أن النطق بالضاد يوجد في بيئة الحجاز التي منها قريش وفي بيئة وسط الجزيرة وشرقها في قيس وتميم وأسد وكذا النطق بالظاء وجدناه في البيئتين معًًًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ يتبع

العلاقة بين

الضاد والظاء

صوتيًا وتاريخيًا ولهجيًا

(3)

الضاد والظاء في اللهجات الحديثة.

لا نقف هنا عند حد التبادل بينهما فقط بل يتجاوز الأمر إلى صيرورة كل منهما إلى أصوات أخرى في مناطق مختلفة من العالم العربي الممتد من الخليج إلى المحيط هذه المنطقة الشاسعة من العالم.

إن انتقال الضاد إلى الظاء أو العكس قديم عند العرب كما أوضحته النصوص والشواهد السابقة والتي يعضدها ما نقله الفراء عن المفضل أن (من العرب من يبدل الضاد ظاء فيقول: (عظت الحرب بني تميم) ومنهم من يعكس فيقول في (الظهر): (ضهر) " ".

وقد ذكرنا سابقاً أن العلاقة الصوتية بينهما قوية تبيح الانتقال من أحدهما إلى الأخر. . وهذا يفسر لنا ما حدث في بيئة صقلية قبل القرن الخامس الهجري من نطق الضاد ظاء حيث لاحظ ذلك في فترة حياته ابن مكي صقلي وهو من أهل القرن الرابع حيث توفى سنة 501 هـ ـ حتى لا يكاد يرى أحداً (ينطق بضاد ولا يميزها من ظاء وإنما يوقع كل واحدة منهما موقعها ويخرجها مخرجها الحاذق الثاقب، إذا كتب أو قرأ القرآن لا غير. فأما العامة. . وأكثر الفصحاء فلا يفرقون بينهما في كتاب ولا قرآن) " ".

وانتقال الضاد إلى الظاء في بيئة صقلية هو الأكثر والأشهر حتى أصبح أمراً شائعاً مما جعل ابن مكي يقول: (هذا رسم قد طمس وأثر قد درس من ألفاظ جميع الناس خاصتهم وعامتهم. وهو باب واسع. وأمر شاسع إن تقصيته أخرجت الكتاب عن حده) " ".

وقد صارت الضاد في هذه البيئة أيضاً طاء حيث يقول أهل صقلية لما حول المدينة ربط، والصواب ربض " ". وقد انتقلت إلى الدال لديهم أيضاً نحو قولهم: غردوف بدل غرضوف أو غضروف " ".

وقد لاحظ ابن الجزري في القرن التاسع انتقال الضاد إلى الطاء في هذه البيئة وغيرها في المغرب، وفي مصر فيقول: (ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب) " ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير