يبدو لي أن وراء الأكمة ما وراءها، والدليل على ذلك السطر الأخير في مشاركتك! والله المستعان على ما تصفون!
ولا يخفى على ذي لب ما في كلامك من ضلال وباطل، هو الذي قد يقود صاحبه إلى الشرك، وليس القول بالإجماع!
وقديما كان عمر يجمع الناس للنظر في المسائل العارضة، ثم يُلزم الناس بما يجتمعون عليه، ويبدو أن عمر مشرك عندك بهذا الفعل! أو على شفا حفرة من الشرك!
وقديما احتج عثمان بن عفان وغيره من الصحابة بالإجماع، ولم يقدهم ذلك إلى الشرك!
وجاء الإمام أبو حنيفة فاحتج بالإجماع، ومن بعده الإمام مالك، ومن بعده الإمام الشافعي، ومن بعده الإمام أحمد، ولم يقل أحد يعقل ما يقول: إن ذلك قادهم إلى الشرك!!
وكذلك غيرهم من أئمة السلف المعروفين المتبوعين، كالحسن وابن سيرين وابن المبارك و و و إلخ
كل هؤلاء وغيرهم احتجوا بالإجماع، ولم يرد في عقل عاقل أصلا أن ذلك يقودهم إلى الشرك!!
وأما من يشرب قلبه الشبهات والأهواء، ثم يأتي ليقذفها لنا هنا، فكلامه مردود عليه، وغير مقبول منه، وكان الأحرى به أن يعرض النتف التي حصلها على أهل العلم ليقوموا خطأه، قبل أن يتجرأ ويتكلم في المسائل الكبار في دين الله عز وجل، فيفسد من حيث يظن أنه يصلح، ويهدم من حيث يظن أنه يبني!
وأما الجهل باللغة، والجهل بالنص الثابت، وغير ذلك من ضروب الجهل، فأولى بها من حام حول الحمى التي حمت حولها؛ لأن الذي يزعم أن (الأمة جميعها جاهلة وهو وحده العالم) لا شك أنه أولى بوصف الجهل والحمق والغباء.
والذي يظن أن الله اختصه بمعرفة الحق دون باقي الخلق، ينبغي أن يذهب إلى الطبيب ليداوي له عقله، هذا إن كان له أمل في الشفاء أصلا!
وهاهنا مسألة يسيرة جدا يعرفها الصغار قبل الكبار، بل هي مركوزة في فطرة الإنسان، وهي أن السيل العظيم إذا لم يضرني، فأحرى وأولى أن لا يضرني اليسير من الماء، وإذا استطعت أن أهزم عشرة من الرجال، فأولى وأحرى أن أستطيع هزيمة كل واحد منهم منفردا، وكذلك إذا كان إجماع العلماء ليس بحجة، فقول الواحد منهم أولى وأحرى أن لا يكون حجة.
فهل تستطيع أن تخبرنا: كيف نخرج من معرة الجهل باللغة؟ (بشرط أن لا ترجع إلى اللغويين)
وهل تستطيع أن تخبرنا: كيف نعرف أن هذا النص صحيح أو ضعيف؟ (بشرط أن لا ترجع إلى المحدثين)
وهل تستطيع أن تخبرنا: كيف نستنبط الأحكام من النصوص؟ (بشرط أن لا ترجع إلى الأصوليين)
لكي تتكلم في دين الله وتجتهد ينبغي أن تحصل علوما تكفي للاجتهاد، وهذه العلوم إنما تحصلها من العلماء ومن الكتب التي وضعها العلماء، فإذا كان العلماء قد يجتمعون على الخطأ، فما المانع أن يكون كل ما حصلته من علوم هو من الخطأ! وما الذي يؤمنك أن يكون معظم ما عندك من علم هو من الخطأ؟!
وهل تستطيع أن تخبرنا: كيف عرفنا أن هذا النص محكم وهذا النص متشابه؟
لقد أخبرنا الله عز وجل أن من الكتاب آيات محكمات وأخر متشابهات، ولكنه لم يخبرنا في كل نص: أهو من المحكم أو من المتشابه، فهل أخبرنا الله عز وجل أن نصوص العقيدة مثلا من المتشابه؟!
لا نعرف أحدا يزعم أن نصوص العقيدة من المتشابه إلا أهل البدع، ولم يختلف الصحابة ولا التابعون في نصوص العقيدة أنها ليست من المتشابه، ولكن أنى لمن ينكر الإجماع أن يوافق على اتفاق الصحابة والتابعين؟!
هل تستطيع أن تخبرنا: كيف السبيل لنعرف أهذا النص أو ذاك من المحكم أم من المتشابه؟
لا يصح أن تقول: عرفت ذلك بالنصوص؛ لأن النصوص التي تستشهد بها لم نعرف بعدُ أهي من المحكم أم من المتشابه؟!
أرأيت ما أوقعت نفسك فيه من الدور الباطل باتفاق العقلاء؟!
والذي يصف الاستدلال بأنه استدلال عجيب ينبغي أن يكون لعجبه وجه يوافقه عليه العقلاء، أما إذا كان هذا العجب ينفرد به هو عن باقي العقلاء، فينبغي أن يتعجب من نفسه!
وأما الاستدلال بحديث (لا يبع حاضر لباد) على جواز المضاربة؛ لأن هذا نوع من المضاربة!!
فقد فاته أن الأخص لا يدل على الأعم، وهذا أمر معروف عند العقلاء، ولكن أنى لمن ينكر اتفاق العلماء أن يقتنع باتفاق العقلاء!!
هذا إن سلمنا بصحة استدلاله أصلا! ولكن أنى لمن ينكر اتفاق العلماء أن يؤتى عقلا يحسن الاستدلال!
¥