(فإن طلقها) أي الثاني، وتعبيره بإن التي للشك للتنبيه على أنه متى شرط الطلاق على المحلل بطل العقد بخروجه عن دائرة الحدود المذكورة، لأن النكاح - كما قال الحرالي - عقد حرمة مؤبدة لا حد متعة مؤقتة؛ فلذلك لم يكن الاستمتاع إلى أمد محللاً في السنة وعند الأئمة لما يفرق بين النكاح والمتعة من التأبيد والتحديد؛ انتهى).
الفائدة السابعة:
(امرأة فلان) دون (زوج فلان) والعكس
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في (جلاء الأفهام) (ص229): (وأما الأزواج فجمع زوج وقد يقال زوجة والأول أفصح وبها جاء القرآن، قال تعالى (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) [البقرة 35] وقال تعالى في حق زكريا عليه السلام (وأصلحنا له زوجه) [الأنبياء 90]؛ ومن الثاني قول ابن عباس رضي الله عنهما في عائشة رضي الله عنها إنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة؛ وقال الفرزدق:
وإن الذي يبغي ليفسد زوجتي كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وقد يجمع على زوجات وهذا إنما هو جمع زوجة وإلا فجمع زوج أزواج، قال تعالى (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون) [يس 56].
وقال تعالى (أنتم وأزواجكم تحبرون) [الزخرف 70].
وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردا وجمعا كما تقدم؛ وقال تعالى (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) [الأحزاب 6]؛ وقال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك) [الأحزاب 59]، والإخبار عن أهل الشرك بلفظ المرأة، قال تعالى: (تبت يداً أبي لهب) إلى قوله (وامرأته حمالة الحطب) [المسد 1 - 4]؛ وقال تعالى: (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) [التحريم 10] فلما كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم المرأة، وقال في فرعون (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) [التحريم 11] لما كان هو المشرك وهي مؤمنة لم يسمها زوجاً له؛ وقال في حق آدم (اسكن أنت وزوجك الجنة)؛ وقال للنبي (إنا أحللنا لك أزواجك) [الأحزاب 50]؛ وقال في حق المؤمنين (ولهم فيها أزواج مطهرة) [البقرة 25]؛ فقالت طائفة منهم السهيلي وغيره: إنما لم يقل في حق هؤلاء: الأزواج، لأنهن لسن بأزواج لرجالهن في الآخرة ولأن التزويج حلية شرعية، وهو من أمر الدين فجرد الكافرة منها كما جرد منها امرأة نوح وامرأة لوط.
ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا عليه السلام (وكانت امرأتي عاقراً) [مريم 5]، وقوله تعالى عن إبراهيم (فأقبلت امرأته في صرة) [الذاريات 29]، وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة فذكر المرأة أولى به لأن الصفة التي هي الأنوثة هي المقتضية للحمل والوضع لا من حيث كانت زوجاً.
قلت: ولو قيل إن السر في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أن هذا اللفظ مشعر بالمشاكلة والمجانسة والاقتران كما هو المفهوم من لفظه، فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان المتشاكلان أو المتساويان ومنه قوله تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) [الصافات 22]، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أزواجهم أشباههم ونظراؤهم؛ وقاله الإمام أحمد أيضاً؛ ومنه قوله تعالى (وإذا النفوس زوجت) [التكوير 7] أي قرن بين كل شكل وشكله في النعيم والعذاب؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: الصالح مع الصالح في الجنة والفاجر مع الفاجر في النار؛ وقاله الحسن وقتادة والأكثرون؛ وقيل: زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين وأنفس الكافرين بالشياطين، وهو راجع إلى القول الأول.
قال تعالى: (ثمانية أزواج) [الأنعام 143] ثم فسرها (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) [الأنعام 143 - 144] فجعل الزوجين هما الفردان من نوع واحد؛ ومنه قولهم زوجا خف وزوجا حمام ونحوه.
ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى قطع المشابهة والمشاكلة بين الكافر والمؤمن قال تعالى (لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة) [الحشر 20]؛ وقال تعالى في حق مؤمني أهل الكتاب وكافريهم: (ليسوا سواء من أهل الكتاب) الآية [آل عمران 113].
وقطع المقارنة سبحانه بينهما في أحكام الدنيا فلا يتوارثان ولا يتناكحان ولا يتولى أحدهما صاحبه فكما انقطعت الوصلة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم فأضاف فيها المرأة بلفظ الأنوثة المجرد دون لفظ المشاكلة والمشابهة.
¥