ولم يتغير منهج أهل السنة في ألفاظم ولا مصطلحاتهم ولا معانيهم في تقرير أبواب العقيدة تأثرا بعلم الكلام او المنطق فابن تيمية وابن القيم أعلم الناس بهذه المصطلحات ومع هذا لا يتلفظون بها إلا في مجال الرد على المخالفين اضطراراً وأما في تقرير مذهب أهل السنة فالوقوف عند ألفاظ النصوص وينظر العقيدة الواسطية وغيرها ليعلم الفرق بين التمسك بالنصوص عند أهل السنة وعند غيرهم.
ثم إنه من الخطأ في الانتصار لمذهب ابن حزم أن يجعل مقابله مقلدة المذاهب فقط ومن ثم يرجح مذهب ابن حزم عليهم وهل لا يوجد غير هاتين الطريقتين؟
أين طريقة فقهاء أهل الحديث كمالك والشافعي وأحمد ومن وافقهم من فقهاء أهل الحديث.
واضيف إلى ما ذكره الشيخ عبد الرحمن حول مسألة تفضيل ابن حزم لعائشة رضي الله عنها على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما واستدلال ابن حزم بالإجماع السكوتي حيث يقول: (فهذا عمار والحسن وكل من حضر من الصحابة (رضي الله عنهم) والتابعين –والكوفة يؤمئذٍ مملؤة منهم– يسمعون تفضيل عائشة على علي –وهو عند عمار والحسن أفضل من أبي بكر وعمر– فلا ينكِرونَ ذلك ولا يعترضونه، وهم أحوج ما كانوا إلى إنكاره. فصحّ أنهم متفقون على أنها وأزواجه –عليه السلام– أفضل من كل الناس بعد الأنبياء (عليهم السلام))
هذا الاستدلال غريب من أربعة أوجه:
الأول: أنه لايتمشى مع ما قرره ابن حزم من عدم الاحتجاج بالإجماع السكوتي في كتابه الإحكام ومع هذا فهل كل من حضر الخطبة هم كل مجتهدي ذلك العصر؟ وأين هذا من الإجماع؟!
قال في الإحكام (4/ 182) في رد الإجماع السكوتي: ( .. قولكم إنكم تقولون ذلك إذا انتشر قول طائفة من الصحابة أو من بعدهم فقالوا ههنا فمن هذا نسألكم: من أين علمتم بانتشار ذلك القول؟ ومن أين قطعتم بأنه لم يبق صاحب من الجن والإنس إلا علمه ولا يفتي في شرق الأرض ولا غربها عالم إلا وقد بلغه ذلك القول فهذه أعجوبة ثانية وسوأة من السوءات لا يجيزها إلا ممخرق يريد أن يطبق عين الشمس نصرا لتقليده وتمشية لمقولته المنحلة عما قريب ثم يندب حين لا تنفعها الندامة.
والكذبة الأخرى قولكم: فلم ينكروها فحتى لو صح لكم أنهم كلهم علموها فمن أين قطعتم بأنهم لم ينكروها وأنهم رضوها وهذه طامة أخرى، ونحن نوجدكم أنهم قد علموا ما أنكروا وسكنوا عن إنكاره لبعض الأمر ... )
ثم قال: ( ... قد يسكت المرء لأنه لم يلح له الحق أو يسكت موافقا ثم يبدو له وجه الحق أو رأى آخر بعد مدة فينكر ما كان يقول ويرجع عنه كما فعل علي في بيع أمهات الأولاد وفي التخيير بعد موافقته لعمر على كلا الأمرين أو ينكر فلا يبلغنا إنكاره ويبلغ غيرنا في أقصى المشرق وأقصى المغرب أو أقصى اليمين أو أقصى إرمينية ... )
فكيف يستدل هنا بالإجماع السكوتي الذي من احتج به فقد أتى بالطوام؟؟
الثاني: ولا يتمشى مع ما قرره من أن الإجماع خاص بالصحابة حيث يقول في الإحكام (4/ 148): (وأما الإجماع الذي تقوم به الحجة في الشريعة فهو ما اتفق أن جميع الصحابة رضي الله عنهم قالوه ودانوا به عن نبيهم وليس الاجماع في الدين شيئا غير هذا) ثم يقول: (لا إجماع إلا إجماع الصحابة رضي الله عنهم) ثم يقول: (إنما الإجماع إجماعهم).
فكيف اعتد بقول التابعين هنا؟
الثالث: لو سلم أنهم أجمعوا على تفضيل عائشة على علي فمن أين لابن حزم أنهم فضلوها على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
الرابع: أن هذا الخبر الذي اعتمد عليه ابن حزم ضعيف جداً فقد رواه ابن حزم بإسناده عن ابن جرير الطبري وابن جرير رواه في تاريخه (3/ 27) فقال: كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة فذكره.
- أما السري فهو ابن يحيى بن السري التميمي الكوفي فال عنه ابن ابي حاتم: (لم يقض لنا السماع منه وكتب إلينا بشيء من حديثه وكان صدوقاً) الجرح والتعديل (4/ 285)
- وأما شعيب فهو ابن إبراهيم الكوفي قال فيه ابن عدي: (ليس بالمعروف وله أحاديث وأخبار وفيه بعض النكرة وفيه ما فيه من تحامل على السلف) ينظر: لسان الميزان (2/ 145)
وقال الذهبي: (راوية كتب سيف عنه فيه جهالة) ميزان الاعتدال (2/ 275)
- وأما سيف فهو ابن عمر اتميمي الضبي الأسدي:
قال فيه ابن معين والنسائي والدارقطني: ضعيف.
التاريخ لابن معين (2/ 245) الضعفاء والمتروكين للنسائي (ص 123) الضعفاء والمتروكين للدارقطني (ص 149)
وقال الدارقطني في رواية البرقاني: متروك سؤالات البرقاني (ص 33)
وقال أبو حاتم: متروك يشبه حديثه حديث الواقدي.الجرح والتعديل لابن ابي حاتم (4/ 278)
وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال ابن حبان: (يروي الموضوعات عن الأثبات واتهم بالزندقة) المجروحين (1/ 345)
ينظر: الكامل في الضعفاء لابن عدي (3/ 435) ضعفاء العقيلي (2/ 175) تهذيب الكمال (12/ 324) تهذيب التهذيب (4/ 259)