قال البزار:إسناده صالح ,وصححه الحاكم.
وروى الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ,وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرّم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)).
في هذين الحديثين إشارة واضحة إلى القاعدة المذكورة وهي غير الترك الذي هو محل بحثنا في هذه الرسالة, فخلط إحداهما بالأخرى مما لا ينبغي.
ولذا بينت الفرق بينهما حتى لا يشتبه أحد.وهذه فائدة لا توجد إلا في هذه الرسالة والحمدلله.
تتميم
قال عبدالله بن المبارك:أخبرنا سلام بن أبي مطيع عن ابن أبي دخيلة عن أبيه قال:
كنت عند ابن عمر فقال:"نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا".
فقال لي رجل من خلفي: ماقال؟ فقلت: (حرّم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم التمر والزبيب) فقال عبدالله بن عمر: (كذبت)! فقلت: (ألم تقل نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عنه؟ فهو حرام) فقال: (أنت تشهد بذلك)؟ قال سلام كأنه يقول: مانهى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فهو أدب.
قلت: انظر إلى ابن عمر.وهو من فقهاء الصحابة –كذّب الذي فسّر نهى بلفظ حرّم, وإن كان النهي يفيد التحريم لكن ليس صريحاً فيه بل يفيد الكراهة أيضاً وهي المراد بقول سلام: فهو أدب.
قال المقري: نعم النهي يفيد التحريم إلا لقرينة و أما القول بأنه يفيد الكراهة في الآداب فاجتهاد اجتهده ابن عمر رضي الله عنه و هو مأجور عليه أجرا واحدا.
ومعنى كلام ابن عمر:أن المسلم لا يجوز له أن يتجرأ على الحكم بالتحريم إلا بدليل صريح من الكتاب أو السنّة.
قال المقري: كيف تقول ذلك ثم تجعل القياس حجة ولعلك تجعل حجة ما ذكرت من استصلاح و استحسان و سد ذرائع.
وعلى هذا درج الصحابة والتابعون والأئمّة.
قال إبراهيم النخعي ,وهو تابعي:
كانوا يكرهون أشياء لا يحرّمونها, كذلك كان مالك والشافعي وأحمد كانوا يتوقّون إطلاق لفظ الحرام على ما لم يتيقن تحريمه لنوع شبهة فيه, أو اختلاف أو نحو ذلك, بل كان أحدهم يقول أكره كذا, لا يزيد على ذلك.
ويقول الإمام الشافعي تارة:أخشى أن يكون حراماً ولا يجزم بالتحريم يخاف أحدهم إذا جزم بالتحريم أن يشمله قول الله تعالى: ((ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)).
قال المقري: ولم يكونوا يتجرءون أيضا على تجويز التعبد بأمور لم يأت نص على جوازها. فلم تقول هذا حلال للتفتري على الله الكذب.
كما أنهم لم يكن يتجرءون على التقرب إلى الله بعبادة لم يفعلها النبي صلى الله عليه و سلم، فلم تتجرء أنت. أأنت خير أمن جاء بالشرع و صحبه.
فما لهؤلاء المتزمتين اليوم يجزمون بتحريم أشياء مع المبالغة في ذمها بلا دليل إلا دعواهم أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها وهذا لا يفيد تحريماً ولا كراهة فهم داخلون في عموم الآية المذكورة.
قال المقري: فما لهؤلاء المبتدعة اليوم يجزمون بتجويز أشياء مع المبالغة في مدحها و الدفاع عن شرعيتها بلا دليل إلا دعواهم أنّ ترك النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لها يفيد جوازها وهذا أعظم دليل على حرمتها لأن الدين قد تم و لم يترك لكل ذي هوى شيئا يزيده بهواه فهم بتحليلهم لهذه البدع داخلون في عموم الآية المذكورة.
نماذج من الترك
هذه نماذج لأشياء لم يفعلها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم:
1 - الاحتفال بالمولد النبوي.
2 - الاحتفال بليلة المعراج.
3 - إحياء ليلة النصف من شعبان.
4 - تشييع الجنازة بالذكر.
5 - قراءة القرآن على الميت في الدار.
6 - قراءة القرآن عليه في القبر قبل الدفن وبعده.
7 - صلاة التراويح أكثر من ثماني ركعات.
فمن حرّم هذه الأشياء ونحوها بدعوى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لم يفعلها فاتلُ عليه قول الله تعالى:
((ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون)).
قال المقري: و من أحل هذه الأشياء و نحوها بدعوى أنها مباحة إذ لم يفعلها النبي عليه السلام فاتل عليه قول الله تعالى:
((ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون)).
ءآلله أذن لكم أن تحدثوا في أمره عليه السلام ما ليس منه
لا يقال: وإباحة هذه الأشياء ونحوها داخلة في عموم الآية لأنا نقول:
¥