[أدب النظر و المناظرة من أصول الجدل و المناظرة]
ـ[أبو حزم فيصل الجزائري]ــــــــ[19 - 10 - 07, 10:08 م]ـ
الحمد لله ربي العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على أله و صحبه أجمعين.
أما بعد.
هذه جملة من أدب النظر و المناظرة إقتبستها من كتاب أصول الجدل و المناظرة للدكتور حمد بن إبراهيم العثمان.
فقد كثر هذه الأيام عند بعض طلبة العلم اللدد و الخصام وسوء الأدب عندما يتناظرون و يعارضون بعضهم البعض.
فكما دلت الأدلة الشرعية على مشروعية النظر و المناظرة ,قد دلت كذلك على حظر الأمور التي تفضي إلى الفرقة و الشقاق.
فكان الغرض الأساسي الرئيس من المناظرة و الجدال , هو تمييز الحق من الباطل و تنشيط الذهن ,و مذاكرة العلم و شحذ الهمة, و الإستزادة من العلم و التدرب على مأخذ الأحكام و التحرر من التقليد ,و ظهور الدين و الإيمان و العديد من الفوائد.
و قد كنا في بادىء الأمرحينما كنا نطلب العلم ولم تكن حينا ذاك قد رسخت أقدامنا في تراب العلم ,كنا عندما نتناظر تحصل فوضا و شحناء بيننا ,لأنه لم يكن عندنا قانون يعصمنا من هذا الزلل ,حتى كان ينتهي بنا الأمر
إلى القطيعة و الهجر.
فالله المستعان.
حتى قرأت كتاب أصول الجدل و المناظر في الكتاب و السنة للدكتور حمد العثمان الذي أدبني و ربا في نفسي حب العلم و قبول الحق مع الخصم.
قرأته و لخصته فأعجبني فأحببت أن أضع بعض بركاته في هذا الملتقى المبارك إن شاء الله عسى أن ينفعى به بعض طلبة العلم الذين هم في ميادين النظر و الماظرة.
كما قلت أن الشارع الحكيم أباح للعباد النظر و المناظرة ووضع لنا القانون الأساسي الذي به تصلح المناظرة.
فقد تنوعت أساليب القرأن و تعددت في تقرير الحق و إبطال الباطل على وجه معجز لانظير له , و فيه الدلالة الواضحة البينة لقواعد وأصول النظر و المناظرة.
قالى الله تعالى {ادعلا إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن} النحل 125.
قال ابن حزم {فكان تعالى قد أوجب الجدال في هذه الأية و علم تعالى فيه جميع أداب الجدال كلها من الرفق و البيان و التزام الحق , و الرجوع إلى ما أوجبته الحجة القاطعة} الإحكام 2
20.
و قال الخطيب البغدادي {فأمر الله رسوله في هذه الأية بالجدال و علمه منها جميع أدابه من الرفق و البيان و التزام الحق و الرجوع إلى ما أوجبته الحجة القاطعة}.
فهذا قانون إلهي و ضعه للبشرية في التزام الأدب أثناء المناظرة و الجدال ,ليقوم الحق الذي أوجبه الله على العباد و تقوم به الحجة على المخالفين في أحسن صورة.
ثم إن الجدال يتنوع إلى نوعين باعتبار الذات.
النوع الأول: جدال مذموم.
النوع الثاني: جدال محمود.
فالجدال المذموم هو كل جدال عارض به أمر الله و أمر رسوله.
و أول من فتق هذا النوع من الجدال إبليس لعنة الله عليه حيث جادل في أمر الله حين أمره الله تعالى بالسجود لأدم فامتنع ,و كانت حجته في ذلك {أنا خير منه خلقتني من نار خلقته من طين} فعارض الشرع بالعقل.
قال ابن القيم في الصواعق المرسلة 3\ 998_999 {إن معارضة الوحي بالعقل ميراث الشيخ أبو مرة فهو أول من عارض السمع بالعقل و قدمه عليه ,فإن الله عز وجل لما أمره بالسجود لأدم عارض أمره بقياس عقلي مركب من مقدمتين حمليتين:
أحدهما: قوله {أنا خير منه} فهذه هي الصغرى و الكبرى محذوفة , وتقديرها َأن الفاضل لا يسجد للمفضول َ و ذكر مستند المقدمة الأولى , و هو أيضا قياس حملي حذف إحدى مقدمتيه فقال {خلقتني من نار و خلقته من طين}.اه
ثانيا: من الجدال المذموم أن تجادل بغير علم فقد حرم الله الجدال بغر علم قال تعالى {و لاتقف ماليس لك به علم} الإسراء 36.
و جعله الله من الكبائر قال {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله مالم ينزل به من سلطان و أن تقولوا على الله مالا تعلمون} الأعراف 33.
قال الخطيب البغدادي: (و يحفظ لسانه من إطلاقه فيما لايعلم , و من مناظرته فيما لا يفهمه) الفقيه و المتفقه 2\ 31.
ثالثا: الجدال فيما طوي علمه.
قال يحي بن معاذ الرازي: (أن ربنا تعالى أبدى أشياء و أخفى أشياء ,و أن المحفوظين بولاية الإيمان حفظوا ماأبدى و تركو ما أخفى , و ذهب أخرون يطلبون ماأخفى فهتكوا فأهلكوا ,فأداهم الترك لأمره إلى حدود الضلال فكانوا زائغين) الأبانة عنى أصول الديانة 1/ 419.
رابعا: الجدال في المتشابه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:' تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم 'هذه الأية {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه أيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات} الأية:أل عمران 7.
فقال: فأذا رأيت الذين يجادلون فيه أو به, فهم الذين عنى الله فاحذروهم.
و بوب الأجري في الشريعة [تحذير النبي صلى الله عليه و سلم أمته الذين يجادلون بمتشابه القرأن].
خامسا: الجدال الإنتصار للمذاهب.
قال الوزير ابن هبيرة [فأن هذا الجدال الذي يقع بين أهل المذاهب , فإنه أوفق مايحمل الأمر فيه بأن يخرج مخرج الإعادة و التدريس ,فيكون الفقيه به معيدا محفوظه و دارسا مايعلمه ,فأما اجتماع الجمع من متجادلين في مسألة مع أن كل واحدمنهم لا يطمع في أن يرجع خصمه إليه أن ظهرت حجته , ولا هو يرجع إذا ظهرت حجته عليه ,و لافيه عندهم فائدة ترجع إلى مؤانسة , ولا إلى إستجلاب مودة , و لا إلى توطئة القلوب بوعي الحق ,بل هو على الضد من دلك ,فإنه قد تكلم فيه العلماء ,و أظهروا من عذره من أظهروا كابن بطة وابن حامد في جزئه ,و لا يتمارى في أنه محدث متجدد] المسودة في أصول الفقه 481.483.هذه بعض أنواع الجدال المذموم إختصرتها على قدر الإمكان , وفي المرة المقبلة إن شاء الله , أكتب بعض فوائد الجدال المحمود.
تنبيه: مانقلته من أنواع الجدال المذموم ,هو من الكتاب الأصلي [أصول الجدل و الناظرة].
و الله ولي التوفيق.