تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: من جهة الأمثلة والفروع المخرَّجة عليها فقد تسلم القاعدة من المعارض النقلي والعقلي، ولكن يبقى مورد النزاع: انطباقها على القاعدة.

الوجه الثالث: من جهة القاعدة والمثال فكل منهما بحاجة إلى تنقية وتصفية ومراجعة، ومن ثم التحقيق والتقعيد. (طرق صياغة القاعدة الأصولية) إذن، كيف تتم صياغة القاعدة الأصولية بطريقة سليمة من النقض مماثلة لخطاب الشريعة، ومطابقة لمقصدها؟ يتم ذلك بأمور منها:

1 - الاستقراء لنصوص الكتاب والسنة وآثار السلف.

2 - الاحتكام التام إلى أساليب لغة العرب. فالأول: من جهة الأصل والمستند. والثاني: من جهة الصياغة. بهذه المحاور نستطيع الوصول إلى بناء قواعد أصولية محكمة، بعيدا عن فراغ التنظير العقلي، والجدل العقيم. (أهمية ربط علم الأصول باللغة) وهنا أؤكّد على ضرورة الاعتماد الكلي على لغة العرب في الاستدلال وبناء الأحكام، لبعد الأصوليين عنها من جرّاء ما علق به من سفسطات المناطقة، وفلسفات المتكلمين. وفي هذا قاعدة علمية محكمة وهي: أن الشريعة جاءت على مقتضى اللغة في المعاني والأساليب. وهذا يدل عليه النقل والعقل والإجماع. ولكي يستبين لك الأمر تأمل هذه النقول، وتمعّن فيها، وتدبرها وطبقها على الواقع.

قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - (ت:790هـ) نقلا عن المازري: (وإنما نبهنا على ذلك لما ألفينا بعض المتأخرين صنف كتباً أراد أن يرد فيها أصول الفقه لأصول علم المنطق. هذا ما قاله المازري. وهو صحيح في الجملة، وفيه من التنبيه ما ذكرناه من عدم التزام طريقة أهل المنطق في تقرير القضايا الشرعية). (الموافقات 4/ 338). وقال أيضًا: (ومنها: أنه لا بد في فهم الشريعة من إتباع معهود الأميين - وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم - فإن كان للعرب في لسانهم عرفٌ مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة. وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه. وهذا جار في المعاني، والألفاظ، والأساليب). (2/ 82،64) وقال أيضًا: ( ... القرآن الكريم ليس فيه من طرائق كلام العجم شيء وكذلك السنة .... إذا حُقق هذا التحقيق سُلك به في الاستنباط منه والاستدلال به مسلكُ كلام العرب في تقرير معانيها ومنازعها في أنواع مخاطباتها خاصة؛ فإن كثيراً من الناس يأخذون أدلة القرآن بحسب ما يعطيه العقل فيها، لا بحسب ما يُفهم من طريق الوضع، وفي ذلك فساد كبير وخروجٌ عن مقصود الشارع). (الموافقات 1/ 44) وانظر للأهمية: "الرسالة" للإمام الشافعي - رحمه الله - (ص:42 - 53). وهنا سؤال: هل كتب الأصوليين الموجودة الآن ـ خاصة المذهبية المتأخرة من القرن السابع تقريبا ـ تخدم علم الأصول خدمة أوليّة أم تخدم المذهب فحسب؟ ثم كيف تتم الاستفادة منها على الوجه المطلوب؟ وهل هناك فرق بين من كان منهم صاحب رأي وتحرير، وبين من كان همه النقل لا غير؟ وكيف يمكن التمييز بين هذا وذاك؟

الثالثة: تقويم الخلاف الأصولي.

موضوع الخلاف في علم الأصول، من المواضيع الشائكة، التي تفتقر إلى التحقيق والتدقيق. وكثرة الخلاف في مسائل الأصول له علاقة بضعف التصور. وقلة الاستقراء. (أسباب نشوء الخلاف الأصولي) وأبرز العوامل في توليد مادة الخلاف في علم الأصول هو ما دخله من علم الأوائل، وتوسيع العبارات وتشقيقها، وبعده عن مصادره وأصوله التي نشأ منها، وأيُّ علم تجافى عن مصدره أصابه النقص بقدر ذلك البعد. ومما يفعّل الخلاف الأصولي ويدعو إلى تطويره؛ هو النقل لمذاهب الفرق الإسلامية دون الحاجة إليه. قال الزركشي (ت:794هـ) في مقدمة "البحر المحيط": ( .. ثُمَّ جَاءَتْ أُخْرَى مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ, فَحَجرُوا مَا كَانَ وَاسِعًا, وَأَبْعَدُوا مَا كَانَ شَاسِعًا, وَاقْتَصَرُوا عَلَى بَعْضِ رُؤوسِ الْمَسَائِلِ, وَكَثَّرُوا مِنْ الشُّبَهِ وَالدَّلَائِلِ, وَاقْتَصَرُوا عَلَى نَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الْفِرَقِ, وَتَرَكُوا أَقْوَالَ مَنْ لِهَذَا الْفَنِّ أَصَّلَ, وَإِلَى حَقِيقَتِهِ وَصَّلَ, فَكَادَ يَعُودُ أَمْرُهُ إلَى الْأَوَّلِ, وَتَذْهَبُ عَنْهُ بَهْجَةُ الْمُعَوَّلِ, فَيَقُولُونَ: خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ, أَوْ وِفَاقًا لِلْجُبَّائِيِّ, وَتَكُونُ لِلشَّافِعِيِّ مَنْصُوصَةً, وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ بِالِاعْتِنَاءِ مَخْصُوصَةً, وَفَاتَهُمْ مِنْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير