تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كَلَامِ السَّابِقِينَ عِبَارَاتٌ رَائِقَةٌ, وَتَقْرِيرَاتٌ فَائِقَةٌ, وَنُقُولٌ غَرِيبَةٌ, وَمَبَاحِثُ عَجِيبَةٌ). وقال المرداوي (ت:885): ( .. وأغيرهم من أرباب البدع، كالجهمية والرافضة والخوارج والمعتزلة ونحويهم، فلا اعتبار بقولهم المخالف لأقوال الأئمة وأتباعهم، ولا اعتماد عليها ... وقد ذكر الأصوليون ذلك حتى بالغوا، فذكروا بعض مذاهب اليهود والنصارى والسوفسطائية، والسمنية فرقة من عبدة الأصنام، والبراهمة وهم الذين لا يجوزون على الله بعث الرسل، والملاحدة وغيرهم. وكان شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني يعيب على من يذكر ذلك في أصول الفقه، ويقول: (إنما محل ذلك أصول الدين)، وهو كما قال). (التحبير شرح التحرير 1/ 128 - 129) هذه النقول مع ما فيها من الفوائد النفيسة، والحقائق المهمة، إلا أن فيها كذلك ما هو بحاجة إلى مراجعة. ثم إن من أكثر ما يشعّب الخلاف في الأصول هو تخريج الأصول من كلام الأئمة لا من الأدلة، فينتج عن هذا التخريج تأويل الأدلة بحسب المذهب، كما هو الحال في بعض كتب الأصول من المدرستين، ولهذا نبه العلماء على هذا الخطأ المتكرر. قال أبو إسحاق الشيرازي (ت:476هـ): (وينبغي أن تحفظ الأدلة وتحكم الأصول ثم حينئذ تبنى عليها المذاهب في مسائل الاجتهاد، لأن الأدلة هي الأصول والمذاهب تتبعها؛ فينبغي أن نستخرج المذاهب على حسب ما يقتضيه الدليل ولا ينصب الدليل على ما يقتضيه المذهب). (شرح اللمع1/ 162) وهنا قد يتفق الجميع على وجود هذا الخلل في علم الأصول، وأنه من الدخيل في تقرير مسائله، كالمنطق وعلم الكلام، لكن العيب المتكرر قديما وحديثا هو الانفصال بين النظرية والتطبيق، فمن الصعوبة بمكان الانفكاك عن أسلوب الأصوليين في التأليف والتقرير، ولله در الشاطبي فقد تميز في أسلوبه وتقريره ولم يتأثر تأثرا بينا بمن سبقه.

(الخلاف الأصولي) والخلاف الأصولي بحاجة إلى تقويم من جوانب عدة منها:

أولاً: أصله وحقيقته. فقد يفتعل الأصوليون خلافاً لا حقيقة له في بعض الأحيان. إما أنه غير موجود في الأصل. وإما أنه شُقّق من قولين إلى أكثر، أو من أقوال ليس بينها تعارض، إلى أقوال متوازية لا يمكن الجمع بينها. وهذا يَحدُث كثيرا بسبب العجلة في حكاية الخلاف، وعدم تحرير محل النزاع. ولديَّ مؤشرات وأمارات بأن غالب الخلاف المحكي عن الأئمة ـ ولا سيّما مالك والشافعي وأحمد في علم الأصول ـ (أي: الأدلة) خلاف لا وجود له. وهذا مبني على مقدمتين:

الأولى: أن أصول الفقه هي الأدلة.

والثانية: أن أدلة الأئمة في الفقه واحدة.

فلو قيل: بأنه لا خلاف بينهم في الأصول ألبتة، لم أستبعد ذلك. وإنما الخلاف بينهم في تخريج الفروع على الأصول فقط. هل هذا الفرع يُخرّج على هذا الأصل أم ذاك؟

فالاستحسان المردود عند الشافعي هو كذلك عند مالك وأحمد.

وعمل أهل المدينة المعمول به عند مالك، معمول به عند الشافعي وأحمد.

والإجماع الذي يردُّه أحمد هو كذلك عندهما، وكذا المرسل.

وكون إمام أكثر في تخريج فروعه على هذا الأصل، لا يعني رده عند الإمام الآخر. ثم من الذي كان يُخرّج الأصول من الفروع؟ لا شك أنهم أصحاب أئمة المذاهب، ألم يختلفوا في نقل الأصل الذي بنى عليه الإمام؟ بلى، فكونهم اختلفوا في أصول الأئمة، أو في جملة من الفروع، هل يقتضي ذلك رد هذا الأصل أم لا؟ لا يلزم منه اختلاف الأئمة أنفسهم في هذا الأصل.

ثانياً: منزلته. قيمة الخلاف ومنزلته مما يساعد على عدم تصعيده، بل وعدم حكايته إن تبيّن ضعفه. وكتب الأصول خاصة المتأخرة منها مرتع خصب للأقوال التي ليس لها خطام ولا زمام، فقد تجد قولاً مشهوراً في كتبهم، ولا تجد له قائلاً، ولا أصلاً، ولا سنداً. وهذا يدلك على بعد هذا العلم عن أصوله ومصادره الحقيقية. فمثل هذه الأقوال قد يبنى عليها خلاف في كثير من مسائل علم الأصول، وقد لا يُتنبه أن هذا الخلاف من قبيل الشاذ أو الضعيف. لهذا كانت معرفة الخلاف ومنزلته في علم الأصول أمرًا جديرًا بالاهتمام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير