الخلاف منه ما هو سائغ، على الرغم من أن الحق عند الله واحد لا يتعدد، وكل مجتهد مأجور إن كان من أهل الاجتهاد الذين توفرت فيهم شروطه، نحو الأئمة الأربعة وغيرهم، أما المتطفلون المجترئون عليه من أهل الأهواء فهم مأزورون غير مأجورين.
فإن أصاب الحق فله أجران، وإن أخطأ الحق فله أجر، أما أن يكون كل مجتهد مصيب فهذا ليس بصحيح.
من أمثلة الخلاف السائغ ما يأتي:
1. خلاف التنوع، نحو اختلاف صيغ الأذان، والإقامة، والتشهد، والقنوت، وأوجه الإحرام، وما شاكل ذلك، وهذا منه ما هو راجح وما هو مرجوح.
2. الخلاف في المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص صحيح صريح، فللمرء أن يتبع فيها من شاء من علماء أهل السنة المقتدى بهم، وليس لأحد أن يثرب على أحد في هذا النوع.
3. الخلاف في مسائل تكافأت فيها الأدلة، ولهذا اختلف فيها من هم خير منا، فليسعنا ما وسعهم، نحو قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية، وتكفير تارك الصلاة كسلاً، ونحوهما.
أما الخلاف المحرم المذموم فهو خلاف التضاد الذي يفتقر إلى الدليل الصحيح الصريح، ويعتمد على الهوى والزلات والهفوات، ويمثل ذلك: إباحة الملاهي، إنكار رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، ونحوهما.
هناك مسائل اختلف فيها السلف والخلف، ولكن تيقنا صحة أحد القولين فيها، وهي كثيرة1 جداً، منها:
1. القبض في الصلاة.
2. الترويح – رفع اليدين عند الركوع والرفع منه والقيام من الجلوس الوسط.
3. أن يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله.
4. وأن خيار المجلس ثابت في البيع.
5. وأن ربا الفضل حرام كربا النسيئة.
6. وأن المتعة حرام وهي أخت الزنا.
7. الحامل تعتد عدة الوفاة بوضع الحمل ولو كان زوجها على سرير الموت لم يدفن بعد.
فالخلاف السائغ لا ينبغي فيه الخروج على ما اعتاده الناس من الأعمال.
مثال ذلك لو اعتاد أهل محلة أومسجد:
تربيع التكبير في الأذان.
تثنية الإقامة.
عدم الترجيع.
الخروج من الصلاة بتسليمتين، وبقول السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله.
فلا ينبغي لأحد أن يخالف في ذلك ويشذ عما وجد عليه الناس، اللهم إلا أن يكون ما عليه الناس حراماً مخالفاً لما جاء به صاحب الشريعة، ففي هذه الحال فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
من أقوى الأدلة على ذلك ترك الرسول صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، معللاً ذلك بقوله لعائشة رضي الله عنها: "لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولجعلت لها بابين" الحديث.2
قال ابن مفلح رحمه الله: (وقال ابن عقيل في "الفنون": لا ينبغي الخروج على عادات3 الناس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الكعبة4، وقال: "لولا حدثان قومك بالجاهلية".
وقال عمر: "لولا أن يقال: زاد عمر في القرآن، لكتبت آية الرجم".
وترك أحمد الركعتين قبل المغرب لإنكار الناس لها5، وذكر في "الفصول"6 عن الركعتين قبل المغرب، وفعل ذلك إمامنا أحمد ثم تركه، واعتذر بتركه بأن قال: رأيت الناس لا يعرفونه. وكره أحمد قضاء الفوائت في مصلى العيد، وقال: أخاف أن يقتدي به بعض من يراه).7
هذا هو سلوك أهل العلم والفقه والعقل، أما بعض الجهلة المقلدة الذين يحبون الظهور بمخالفة ما اعتاده الناس بحجة مثلاً أنه مالكي، وفي حقيقة الأمر فإن الجاهل المقلد لا مذهب له، وعليه أن يقلد من يجده أمامه، ولا ينبغي لأحد أن يقول: أنا حنفي، أومالكي، أوشافعي، أوحنبلي، إلا إذا كان عالماً بالأصول والقواعد التي بنى عليها الإمام مذهبه، وترجح لديه أن أصول هذا الإمام أرجح من أصول غيره، وحتى بالنسبة لهذا فلا يحل له أن يقلد إماماً مهما كان علمه ومكانه في كل ما يقول، لأن هذا خاص بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يتبع في كل ما يقول.
بل قد تبلغ الجرأة عند أمثال هذا المقلد المتعصب أن يحرص على شيء نحو التبليغ في غير ضرورة، بحجة أنه مالكي، وما يدري أن أرجح الأقوال عند علماء المالكية بطلان8 صلاة المبلغ من غير ضرورة، ومن غير أن يأذن له الإمام، ولكن كما قيل فالجاهل عدو نفسه، وصدق الحبيب المصطفى والرسول المجتبى عندما قال: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" الحديث.
ويزداد الأمر سوءاً وقبحاً إذا كان الباعث لذلك الإصرار على مخالفة ما اعتاده أهل المسجد أوالمحلة، وهو أقرب إلى السنة، وأقوى دليلاً وحجة، والغيظ والكيد والمكابرة لأهل العلم، فصلوات ربي على محمد القائل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا من التعصب والتقليد الأعمى ومن غلبة الهوى.
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
وصلى الله وسلم وبارك وعظم على نبينا وحبيبنا وسيدنا القائل: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قيل: ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى"، أوكما قال.
http://www.islamadvice.com/ibadat/ibadat42.htm
¥