أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِينَ مَعَ أَنَّهُمْ مَوَالِيهِ، وَالْآخَرُونَ مَجَازًا بِالسَّبَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَلَدُ الْوَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ مَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا عَيَّنَتْ الْحَقِيقَةَ، أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهِمْ لَهُمْ دُونَهُ.
أَمَّا الثَّانِيَةُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَالتَّعْمِيمُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَقْرَبُ مِنْهُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي " الْوَجِيزِ "، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَالْكَرْخِيِّ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَصْلٌ وَالْمَجَازَ مُسْتَعَارٌ، فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمَا كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الثَّوْبِ عَلَى اللَّابِسِ مِلْكًا وَعَارِيَّةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَنَقَضَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ، فَدَخَلَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا حَنِثَ.
قَالَ: تَنَاوَلَ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ.
قَالَ: لَوْ قَالَ: الْيَوْمَ الَّذِي يَدْخُلُ فُلَانٌ الدَّارَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ، فَدَخَلَ لَيْلًا وَنَهَارًا حَنِثَ.
وَقَالُوا فِي " السِّيَرِ الْكَبِيرِ ": لَوْ أَخَذَ الْأَمَانَ لِبَنِيهِ دَخَلَ بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا فِي الْأُولَى عَدَمُ الْحِنْثِ، لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَى إرَادَةِ الْأَشْهَرِ فَخَالَفْنَا الْقَاعِدَةَ لِهَذَا، وَفِي الثَّانِيَةِ مُوَافَقَتُهُمْ، لِأَنَّهُ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ " التَّتِمَّةِ " لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ بِاللَّيْلِ.
وَيَلْغُوا الْيَوْمُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ، وَإِنَّمَا سَمَّى الْوَقْتَ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ،
وَلَمْ يُحَكِّمُوا بَقِيَّةَ الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ فِي الْحَقِيقَتَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ مَجِيئُهَا.
وَأَمَّا الْحَمْلُ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْجَوَازُ طَرْدًا لِأَصْلِهِ هُنَاكَ وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَسَبَقَ عَنْهُ هُنَاكَ الْإِجْمَالُ، وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ.
وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " الْبُرْهَانِ ": وَقَدْ عَظُمَ نَكِيرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ يَرَى الْحَمْلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا، وَقَالَ فِي تَحْقِيقِ إنْكَارِهِ: اللَّفْظَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَقِيقَةً إذَا انْطَبَقَتْ عَلَى مَا وُضِعَتْ لَهُ فِي أَصْلِ اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا تَصِيرُ مَجَازًا إذَا تُجُوِّزَ بِهَا عَنْ مُقْتَضَى الْوَضْعِ، وَيَحِيلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُحَالَ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.
قُلْت: مِنْ هُنَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ مَعًا كَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي " التَّقْرِيبِ " بِجَوَازِ الْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي مَنَعَهُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا.
¥