والذي أراه أن الناظم رحمه الله أراد أن التنبيه بهذه الطريقة اللطيفة وهي جعل الاقتضاء قسيما للفظ والمفهوم إلى الخلاف المتقدم،وقد نحى الناظم هذا النحو في دلالة الاقتضاء في نظم مهيع الأصول كما تقدم في المقارنة السابقة.
نكتة:
على تفسير الشارحين الولاتي ومحمد فال (اباه) يكون في كلام الناظم إضمار فيكون قد ألمح من طرف خفي إلى مثال للمسألة التي يشرحها.
قال الناظم رحمه الله:
لحن الخطاب الاقتضاء ما عرف ... من جهة اللفظ وللمعنى حذف
ثم شرع الناظم في بيان معنى الاقتضاء فقال إن الاقتضاء: (هو ما حذف من الكلام ولا يستقل المعنى إلا به) (تقريب الوصول ص:87) فهو من جهة المعنى معروف ومن جهة اللفظ محذوف وهو مرادف للحن الخطاب، ودلالة الاقتضاء هي بعينها الإضمار الذي تقدم الحديث عنه في فصل المقتضيات المحتملة.
وما ذهب إليه الناظم رحمه الله من كون لحنالخطاب مرادف للاقتضاء هو الشائع في كتب المالكية حيث ذكره الباجي في كتبهالثلاثة الإشارة والمنهاج وإحكام الفصول وذكره القرافي في التنقيح وابنجزي وابن رشد في المقدمات وغيرهم بل لم أر من خالف هذا الاصطلاح من مصنفيالمالكية سوى ابن الحاجب فإنه أطلقه على قسم المساوي من قسمي مفهومالموافقة _كما سيأتي إن شاء الله_وتبعه على ذلك السبكي والبيضاوي منالشافعية، فالعجب من صاحب نشر البنود _وهو مالكي_ حين يقول (1/ 297): (وعند التنقيح أن لحن الخطاب هو دلالة الاقتضاء)، وهذا مشعر بأن غير صاحب التنقيح من المالكية يرى خلاف ذلك وفيه ما قد رأيت.
وممن أطلق لحن الخطاب على دلالة الاقتضاء أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية كما في كتابه اللمع (ص:45)، ومن الحنابلة أبو يعلى في العدة، وأبو الخطاب الكولذاني في التمهيد (انظر التحبير للمرداوي (ص:2872).
ومن الأصوليين من يطلق لحن الخطاب ويريد به مفهوم الموافقة بنوعيه الأولى والمساوي (انظر الابهاج للسبكيين1/ 279).
ومنهم من يطلق على الاقتضاء فحوى الخطابومنهم من يسميه مفهوم الخطاب ومنهم من يجعل مفهوم الخطاب شاملا لمفهومالموافقة الأولى ودلالة الاقتضاء ومفهوم المخالفة (انظر اللمع للشيرازي ص:44 - 45) والتحبير للمرداوي (ص:2872)، وقال في نشر البنود (1/ 297) بتحقيق محمد الأمين ابن احمد بيب ط الأولى 1426 - 2005: (فلحن الخطاب يُطلق بالاشتراك العرفي على كل من دلالة الاقتضاء ومن المساوي من قسمي الموافقة ومن مفهوم المخالفة).
وما وقع في إطلاق مصطلح لحن الخطاب مناختلاف بين الأصوليين وقع نظيره في مصطلحات أخرى كفحوى الخطاب ومفهومالموافقة وتنبيه الخطاب ودليل الخطاب وسنعرض _إن شاء الله _لكل ذلك فيمحله، لذلك يلزم التنبه والتثبت قبل إطلاق أي من هذه المصلحات حتى يُعرفمراد مُطلقها ولا مشاحة في الاصطلاح طالما أن الخلاف في اللفظ لا فيالمعنى.
تنبيه:
نسب القرافي في شرحه للمحصول إلى القاضي أبيالوليد الباجي والقاضي عبد الوهاب البغدادي أنهما يُطلقان لحن الخطابويريدان بها مفهوم المخالفة، ثم قال: (لأن الثلاثة فيها إشعار من غير تصريح فحسن فيها لفظ اللحن)، نفائس الأصول (2/ 641).
وتعقبه شارح التنقيح أبوعلي حسين ابن أحمدالشوشاوي الرجراجي بما حاصله: أن القرافي واهم في نسبة هذا القول إلىالقاضيين المذكورينونقل عنهما من كتبهما ما يخالف هذه الدعوى مبينا سببتسلل الوهم إلى القرافي فليرجع إليه فإنه بحث مهم ممتع (رفع النقاب عن تنقيح الشهاب 1/ 505 - 506 ط مكتبة الرشد الأولى 1425 - 2004).
قال الناظم رحمه الله:
والعقل عمدة في الاقتضاء ... وقد يُرى في الشرع في أشياء
وبرفع عن أمتي الخطأ ولا ... صلاة إلا بطهور مُثلا
يعني أن العقل يُعتمد عليه في معرفة المقتضىالمحذوف الذي يتعين تقديره لصحة الكلام أو صدقه عقلا كما أن الشرع يُعتمدعليه في معرفة المقتضي المحذوف الذي يتوقف عليه صدق الكلام أو صحته شرعا، ومثّل لدلالة العقل على المقتضي المحذوف بحديث: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) أخرجهالطحاوي في شرح المعاني (3/ 95) وابن ماجه في السنن (1/ 659) الحاكم فيالمستدرك (2/ 198) والبيهقي في السنن الكبرى (7/ 356) عن ابن عباس وأخرجه ابنعدي في الكامل (2/ 573) من حديث أبي بكرة قال في القاصد الحسنة (ص371):ومجموعهذه الطرق يُظهر أن للحديث أصلا"وصححه ابن حزم في الإحكام (5/ 149) وحسنهالنووي في
¥