[قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية]
ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[13 - 12 - 07, 12:56 م]ـ
[قاعدة سد الذرائع في الشريعة الإسلامية]
سامي بن عبدالعزيز الماجد
أولاً: معنى الذريعة.
ثانياً: شواهد العمل بـ (سدّ الذرائع) في الشريعة.
ثالثاً: العقل الصريح يوجب العمل بأصل سد الذرائع.
رابعاً: سد الذرائع بين التيسير والتشديد.
خامساً: اختلاف أهل العلم في بعض صور سد الذرائع ولا يعود على أصلها بالنقض والبطلان.
سادساً: المبالغة في سد الذرائع لا مسوغ له إطلاقاً.
سابعاً: استثناء في إعمال قاعدة (سد الذرائع).
ثامناً: (فتح الذرائع).
الذريعة هي: الوسيلة أو الطريق الموصل إلى الشيء المقصود، فسدّ الذرائع هو منع الطرق والوسائل التي ظاهرها الإباحة؛ لكنها تفضي إلى الممنوع.
دلت نصوص كثيرة من الكتاب والسنة على أنَّ هذا الأصل معمولٌ به في الشريعة، كقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ .. }، مع أنَّ سبّ الكفار في أصله مشروع، لكن إذا أفضى إلى مفسدة سبهم لله تعالى فإنه يُنهى عنه.
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا .. }، ففي هذه الآية نهى الله عن الإقامة في أرض الكفر وترك الهجرة إلى بلد الإسلام، مع أنَّ الإقامة لا يلزم منها في ظاهرها كفر ولا نفاق ولا ما دون ذلك، ولكن لما كانت الإقامة الدائمة بين ظهراني الكفار تؤثر في سلوك المسلم واعتقاده وتعرضه للفتن ولو بعد زمن، نهى الله عنها سداً لذريعة المفسدة.
وقوله صلى الله عليه: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، مع أنَّ الخلوة في ظاهرها لا محظور فيها، ولا يلزم منها الوقوع في الفاحشة، لكنها لما كانت ذريعة إليها غالباً حرَّمها الشرع، فتحريمها من تحريم الوسائل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". فأمر بالتفريق بينهم في المضاجع خشية أن يفضي نومهم في مضجع واحد إلى وقوعهم في الفاحشة.
والشواهد على أصل العمل بسد الذرائع كثيرة مستفيضة في نصوص الوحيين، ومنها قرر أهل العلم قواعد مهمة في هذا الباب، منها: "للوسائل أحكام المقاصد"، "كل ما أفضى إلى حرام فهو حرام".
يقول ابن القيم (إعلام الموقعين 3/ 173): "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها؛ كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرَّمات، والمعاصي في كراهتها، والمنع منها، بحسب إفضائها إلى غاياتها، وارتباطها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليها، فإنه يحرمها، ويمنع منها؛ تحقيقاً لتحريمه، وتثبيتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل المفضية والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم، وإغراءً للنفوس به، وحكمته تعالى تأبى ذلك كل الإباء" اهـ.
لم ينفرد علماء الشريعة بالعمل بهذا الأصل (سد الذرائع)، بل هو معمول به حتى في الأنظمة والقوانين الوضعية، وما من دولة إلا وهي تعمل بقاعدة سد الذرائع في أنظمتها وقوانينها، وإن اختلفت في درجة العمل به تضييقاً أو توسيعاً.
أصل قاعدة سد الذرائع متفق عليه بين أهل العلم، فكل ما يفضي إلى الحرام قطعاً فهو حرام عند أهل العلم جميعاً، ولا خلاف بينهم في هذه الصورة، وكذلك ما نصَّ الشرع على تحريمه مما يفضي إلى الحرام غالباً؛ كالخلوة مثلاً، فهم متفقون على تحريمها؛ عملاً بالنص، لا إعمالاً لسد الذرائع.
¥