تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دخل الشمس البرماوي القاهرة، يحمل بين جنبيه قلباً ذكياً، وحافظة واعية، وهمة ودأباً، مع حسن التودد والتواضع وقلة الكلام، وأقبل على حلقات العلم في المساجد وبيوت أهل الفضل، ينهل ويعلّ ما شاء له الظمأ، طمعاً في تحقيق مطامحه العلمية. وقد أورد له السخاوي والشوكاني وابن العماد الحنبلي والسيوطي عدداً من الشيوخ الذين أخذ عنهم، أو سمع منهم، أو قرأ عليهم، وهم نخبة من رجال عصره. نذكر منهم: فخر الدين إبراهيم بن إسحاق الآمدي (778ه)، والبرهان بن جماعة (790ه)، وكان قاضي مصر والشام، وخطيب الخطباء وكبير الفقهاء، والبدر الزركشي محمد بن بهادر (794ه)، وإبراهيم بن أحمد التنوخي (800ه)، شيخ الإقراء ومسند القاهرة، وبرهان الدين إبراهيم بن موسى الأنباسي (801 - 802ه)، شيخ الديار المصرية، وابن الملقن عمر بن أبي الحسن (804ه)، والسراج البلقيني عمر بن رسلان (805ه)، شيخ الإسلام، وزين الدين العراقي عبد الرحمن بن الحسن (806ه)، حافظ العصر، وابن الفصيح الصمداني عبد الرحيم بن أحمد (795) ه، وابن القاري عبد الرحمن بن علي، وابن الشيخة محمد بن علي البرماوي، وآخرين غيرهم من أوعية العلوم والفنون.

وبقي الشمس البرماوي مكباً على الطلب، حتى ضاقت به الحال، واغتّم لذلك. فعمل في خدمة بدر الدين محمد بن أبي البقاء (803ه)، وناب عنه في الحكم، كما ناب عن ابن البلقيني جلال الدين عبد الرحمن (824ه)، وكان قاضياً جليل القدر محمود السيرة، وناب أيضاً عن القاضي تقي الدين محمد بن عبد الواحد الأخنائي (830ه) ثم أعرض عن ذلك بعد حسن الحال، وصلاح البال، وأقبل على العلم والتدريس والتصنيف، واجتمع طلاب المعرفة في حلقته وحول خوانه، يطعمون من ذا ومن ذا .. علماً وأدماً. وقد ذكر السخاوي أن الشمس البرماوي كان في كل سنة يقسم كتاباً من المختصرات، فيأتي على آخره، ويعمل وليمة (14). وظل كذلك حتى استدعاه نجم الدين عمر بن حجي (830ه)، إلى دمشق.

الرحلة إلى دمشق:

كانت تربط النجم عمر بالبرماوي صداقة قديمة تعود إلى أيام الدراسة، فقد لازما البدر الزركشي، وتمهّرا به، وحرّرا بعض تصانيفه. وقد أثر عن النجم عمر أنه كان ذا حرمة وإحسان إلى أهل العلم، ولذلك بادر البرماوي إلى إجابة دعوة صديقه، فتوجه إلى دمشق في جمادى الأولى سنة (821ه)، والتقى النجم عمر، ونزل عنده، فأكرمه، وأحسن مثواه، واستنابه في الحكم والخطابة، ثم ولي إفتاء دار العدل عوضاً عن الشهاب الغزي الذي توفي سنة (822ه)، وأسند إليه التدريس في الرواحية والأمينية، وعكف عليه الطلبة، فأقرأ التنبيه والحاوي والمنهاج في فروع الشافعية، حتى ذاع صيته، واشتهرت فضيلته ولكن موت ولده محمد، وجزعه عليه، دفعه إلى الخروج من دمشق، والعودة من حيث أتى، بعد أن أمضى فيها خمسة أعوام. ويشير الباحث الأثري كامل شحادة في بحثه «الترب والمقامات»، إلى أن الشمس البرماوي كان موجوداً في حماة سنة (825ه)، وفيها أتمّ كتابه «شرح الصدور بشرح زوائد الشذور».

العودة إلى القاهرة:

شد الشمس البرماوي الرحال، وعاد إلى القاهرة في رجب سنة (826ه)، بعد أن أصاب في الشام خيراً كثيراً. وتصدّى في القاهرة للإفتاء والتدريس والتصنيف، وباشر وظائف الولي العراقي أحمد بن إبراهيم المتوفى سنة (826ه)، نيابة عن حفيده، ولبس ذلك تشريفاً، كما أسندت إليه مشيخة المدرسة الفخرية، وآل إليه التفسير في المدرسة المنصورية، وكاد ينازع ابن حجر العسقلاني في تدريس الفقه في المدرسة المؤيدية، ولكن ذلك لم يتمّ، ,فأسرّها ابن حجر في نفسه. ولما عاد النجم عمر بن حجي إلى مصر، وأصبح كاتباً للسر في دولة نظام الدين برسباي، استنزل له النجم عمر عن الفخرية والمنصورية، لتنقطع أطماعه عن القاهرة، إلى غيرها من الجهات. والسخاوي الذي يذكر ذلك، لا يشير إلى سبب معين (21)، غير أني أرجح أن ابن حجر العسقلاني كان وراء ذلك. كما أن ابن العماد الحنبلي لا يأتي على تفصيل ما نحن بصدده، ويكتفي بالقول: وكان بينه وبين ابن حجر وقفة (22). وهذا ما دفع الشمس البرماوي إلى مغادرة القاهرة، والسفر إلى مكة المكرمة ومجاورة بيت الله الحرام.

الرحلة إلى مكة وبيت المقدس:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير