تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كما ثبت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه»، وقد قال الله جل وعلا ?لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا? [البقرة:286] وقال جل وعلا ?لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا? [الطلاق:7]، وقال جل وعلا ?وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ? [الحج:78] ونحو ذلك من الآيات فالدين يسر هذه القاعدة حق لكنها استخدمت في غير الحق.

الدين يسر ما معناه؟ معناه أن تشريع الإسلام يسر في الأحكام، يعني ما نص الله جل وعلا عليه تشريع الصلاة تشريع الوضوء تشريع الصيام تشريع الزكاة، الزكاة اثنين ونصف في المائة هذا يسر، ما كلفنا عشرة أو عشرين في المائة من المال، يسر، الصيام شهر في السنة يسر، صلاة الجمعة مرة في الأسبوع، الصلوات خمس في اليوم وليس بالخمسين هذا يسر.

فإذن معنى القاعدة أن أحكام الشريعة مبنية على اليسر.

هنا الأمر الثاني أن المجتهد في المسائل التي لا نص فيها إذا صار هناك وجهان للقول فإنه ينبغي له أن يختار أيسرهما؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، أما إذا اتضحت له المسألة فليس له الخيار ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا? [الأحزاب:36]، فإذا كان كذلك فهذه القاعدة أعملها السلف في شرح أحكام الإسلام وأعملها السلف في المسائل الاجتهادية، إذا نزلت نازلة نظروا هذه فيها تضييق وهذه فيها سعة اختاروا ما فيه سعة.

ولأنه من القواعد التي اختارها الشافعي رحمه الله تعالى ووافقه عليها جمع من أهل العلم أن الأمر في الشريعة إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق، معنى ذلك أن المجتهد ييسر في الأمر.

قد قال سفيان الثوري رحمه الله فيما ذكره عنه النووي وجماعة قال: ليس العلم بالتشديد وإنما العلم الرخصة تأتيك من فقيه. لماذا؟ هذه الكلمة استغلها بعضهم في أن التيسير والترخيص في كل شيء، وهذا ليس بجيد؛ لماذا؟ لأن التشديد يُحسنه كل أحد إذا اشتبه على الواحد شيء، أتركه ما يصلح لا تأتي هذا، هذا يحسنه كل أحد، والمرء قد يتورع في نفسه؛ لكن فيما يفتي به الناس ينبغي أن ينظر ما ينبغي شرعا وألا يشدد على الناس، في نفسه قد يختار الأشد تورعا أو بعدا؛ لكن فيما يفتي به الناس ييسر عليهم في المسائل الاجتهادية.

قال: وإنما العلم الرخصة تأتيك من فقيه. يعني أن الفقيه يعلم كتاب الله جل وعلا، ويعلم سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يعلم كلام أهل العلم، فيعلم أن هذه الرخصة لا تخالف الكتاب ولا تخالف السنة ولا نخالف ما أجمع عليه أهل العلم، حينئذ التيسير فيه مدعاة.

فإذن التيسير أصل من أصول الشريعة في تشريعات الشريعة كلها يسر والشريعة شملت أحكامها كل ما يحتاجه المكلف فإذن هي اليسر في نفسها وإذا كان الأمر بالاجتهاد فإن المفتي ينبغي له أن يختار اليسر.

المسألة السابعة

ما يلزم المفتي أن يتصف به

لاشك إذا بينا هذه القواعد والأصول العامة، صفة المفتي ما هية؟ ما الذي يجب على المفتي أو ينبغي أن يتصف به؟

لم أجد أحسن من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين عن رب العالمين قال رحمه الله: قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح عنه: ينبغي للرجل –هذا كلام إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد- ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا –وانظر إلى تعبير الإمام حمل نفسه على الفتيا يعني تجرأ وفعل وكان ينبغي له أن لا يحمل نفسه- ينبغي للرجل إذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن، عالما بالأسانيد الصحيحة، عالما بالسنن، وإنما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقلة معرفتهم لصحيحها من سقيمها.

وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه الفقيه والمتفقه وقد عقد أبوابا وفصولا في صفة المفتي والمستفتي والفتوى وهي فصول حسنة قال ما حاصله:

أول أوصاف المفتي أن يكون بالغا، هذا وصف عام لأنه حكم تكليفي فيلزم فيه البلوغ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير