عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قالا: لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ (هَدْيَهُ) وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ... الحديث
متفق عليه واللفظ للبخاري
ذهبت طائفة من أهل الأصول [وهذا ذكر الخلاف في بعضها] إلى أن الأمر يقتضي الفور إذا تجرد عن القرائن لقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]. فإذا قال: افعل كذا، فلابد من المبادرة والمسارعة.
واستدلوا بحديث الباب فلولا أن الأمر للفورية ما غضب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وقالت طائفة أخرى [وهذا الرأي المقابل]: لا يقتضي الفور، بل يبقى مطالباً به، فمتى ما أداه حصل المقصود فالله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ)
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة
فيجب عليه ذلك في العمر مرة، ومتى ما أداه فإن ذلك يجزئ. وَيَدْعَمُ ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يحج فور استطاعته.
قلت [وهذا تحريرها اختصارا]: الواجب على العبد الممتثل لأوامر سيده أن يبادر في تلبية أمره، رغبة في محبته وقربه، وإذا كان ذلك مقررا في شأن الخلق فهو أولى في شأن الخالق فهو ملك الملوك، يضاف إلى ذلك أن العمر قصير وآفاته من نوم ومرض ونحوه كثيرة، والموت يأتي بغتة فلا حجة حينئذ.
والاستدلال بتأخير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجه يحتمل، وغيره محكم، وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فلربما انتظر النبي استقرار الأمر في مكة من تطهيرها من أدران الشرك ومنع المشركين من الحج ونحو ذلك.
وهذا أبرأ للذمة وأنفى للحرج. والله أعلم
وللفائدة أورد بعض كلام الشاطبي الذي ذكرته في أوائل البرنامج: وكل مسألة فى أصول الفقه ينبنى عليها فقه إلا أنه لا يحصل من الخلاف فيها خلاف في فرع من فروع الفقه فوضع الأدلة على صحة بعض المذاهب أو إبطاله عارية أيضا
وقد قصدت تجنب الخلاف قدر الإمكان ليصل خالصا سائغا للقراء والمستمعين
ـ[أبو صهيب أشرف المصري]ــــــــ[21 - 05 - 08, 06:27 م]ـ
هل يقتضي الأمر المجرد التَّكرار؟
الأمر إما أن يقيد بما يفيد الوَحدة أو بما يفيد التكرار. أو يكونَ خالياً من القيد.
فالأول: كقوله تعالى: ((فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) [آل عمران:97]
¥