تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ، وَلَا يَصِحُّ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا حَصَلَ عَلَى زَوَالِ حُكْمٍ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ دَلَّنَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِتَوْقِيفٍ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا اللَّفْظُ النَّاسِخُ لَهُ.

فَمِمَّا دَلَّنَا الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} وَلَمْ يُعْلَمْ زَوَالُ هَذَا الْحُكْمِ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ.

وَنَحْوُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ {مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمِنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ}، وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ {فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَهِيَ لَهُ، وَإِنْ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا} وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ {فِيمَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لَهُ جُلِدَ مِائَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتُهُ أَذِنَتْ لَهُ فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ}.

فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا (لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهَا إلَّا بِدَلَالَةِ) الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ دَلَائِلِ النَّظَرِ عَلَى النَّاسِخِ مِنْ الْحُكْمَيْنِ فَإِنَّمَا يَجِبُ فِيمَا لَا يُعْرَفُ تَارِيخُهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي /97 بَيَّنَّا /97، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى شَوَاهِدِ الْأُصُولِ وَدَلَائِلِ النَّظَرِ فَيَثْبُتُ مِنْهُ مَا أَثْبَتَهُ وَيَنْتَفِي (مِنْهُ) مَا نَفَتْهُ وَقَدْ ذَكَرَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى جُمْلَةً يُعْرَفُ بِهَا عَامَّةُ هَذَا الْبَابِ مِنْ فَهْمِ مَعَانِي كَلَامِهِ.

قَالَ عِيسَى: إذَا رُوِيَ خَبَرَانِ مُتَضَادَّانِ وَالنَّاسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ النَّاسِخُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا وَاسْتِعْمَالُ أَشْبَهِهِمَا بِالْأُصُولِ، وَإِنْ عُلِمَ تَارِيخُهُمَا فَالْآخَرُ نَاسِخُ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْمُوَافَقَةَ وَإِنْ احْتَمَلَ الْمُوَافَقَةَ، سَاغَ الِاجْتِهَادُ (فِيهِ).

وَإِنْ عَمِلَ النَّاسُ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآخَرُ خَامِلٌ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا الشَّاذُّ نَظَرُهُ، فَإِنْ سَوَّغَ الَّذِينَ عَمِلُوا بِالْأَوَّلِ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، وَإِنْ عَابُوا مَنْ عَمِلَ بِالْآخَرِ كَانَ مَا عَمِلَ بِهِ النَّاسُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلَ، لِأَنَّ النَّسْخَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمَا عَرَفُوا الْأَوَّلَ وَلَظَهَرَ النَّسْخُ مِنْهُمْ كَمَا ظَهَرَ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ، حَتَّى لَا يَشِذَّ عَنْهُ إلَّا الْقَلِيلُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ قَدْ ظَهَرَتْ الْإِبَاحَةُ فِيهَا كَمَا ظَهَرَ الْحَظْرُ، وَكَذَلِكَ زِيَارَةُ الْقُبُورِ، وَإِبَاحَةُ الظُّرُوفِ، وَمُتْعَةُ النِّسَاءِ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَمَّا قَوْلُهُ) أَمَّا إذَا كَانَ النَّاسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهُوَ النَّاسِخُ، فَإِنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَتْ صِحَّةُ (حُجَّةِ) الْإِجْمَاعِ، فَحَيْثُمَا وُجِدَتْ فَوَاجِبٌ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ، وَإِنْ وُجِدَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَاسْتَحَالَ ثُبُوتُ مَا يُضَادُّهُ مِنْ الْحُكْمِ فِي حَالِ ثُبُوتِهِ ثَبَتَ هُوَ وَانْتَفَى مَا يُضَادُّهُ، وَكَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْآخَرَ مَنْسُوخٌ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير