[المذهب المالكي في خصوصياته أو المذهب المالكي في استراتيجيته المستقبلية]
ـ[أم ريم المالكية]ــــــــ[27 - 04 - 08, 07:29 م]ـ
المذهب المالكي في خصوصياته
أو
المذهب المالكي في استراتيجيته المستقبلية
د. إدريس حمادي
أستاذ بكلية الآداب ظهر المهراز، فاس
يتناول البحث الذي بين أيدينا ما يشترك فيه المذهب المالكي مع غيره من المذاهب، وما يتميز به المذهب عن غيره. وقد اختصر الباحث هذا التميز في كثرة الأصول ومراعاة المصلحة في جميعها. وفي هذه المساهمة محاولة للإجابة على التساؤلات التالية: هل الأصول المعتمدة في الاستنباط قابلة للتطور؟ وإذا كانت قابلة للتطور ما المنهج الذي يرسمه المذهب المالكي لهذا التطور؟
عنوان البحث يعبر على حقيقة مفادها أن الشريعة خطاب للبشرية من مبعث محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم البعث. فلنبدأ إذا على بركة الله ومنه نستمد التوفيق.
يمكن الكشف عما يراد بالمذهب عموما والمذهب المالكي خصوصا بخمس حقائق:
أولاها: أن المذهب المالكي كغيره من المذاهب الفقهية، ينطلق أساسا من الكتاب والسنة، إذ هو كغيره يرى أن القرآن الكريم: "هو كلي هذه الشريعة الذي يتضمن كل قواعدها وأصولها، وإن كان لا يشتمل على أكثر فروعها، والسنة هي التي فصلت هذه الفروع، وأتمت بيان الكثير منها ... ولم يكن لأحد أن يَفصل الشريعة عن هذين الأصلين، لأنهما عمودها، والمرجع الذي يرجع إليه"1.
والثانية: أن المذهب المالكي كغيره من المذاهب، يقوم على مناهج وطرائق كان الأئمة "يتخذونها للوصول إلى استخراج الأحكام التفصيلية من أدلتها الإجمالية"2، بمعنى أن "أصحاب المذاهب هم الذين تكلموا في الأدلة التي هي الأصول، وتكلموا في طرائق الاستدلال ومسالك الاستنباط، وردّ الواحد منهم على الآخر في حجية دليل أو حجية دليل آخر، وفي استقامة مسلك من مسالك الاستدلال وعدم استقامة غيره"3.
والحقيقة الثالثة: أن وضوح هذه الأصول التي يقوم عليها كل مذهب من مذاهب الأئمة هي التي "قضت بأن يرتبط بهؤلاء الأئمة رجال من الفقهاء من بعدهم، يضافون إليهم ويحسبون عليهم مع أنهم مجتهدون مثلهم ... "4. كأبي يوسف ومحمد بالنسبة لأبي حنيفة، وابن القاسم وأشهب بالنسبة إلى مالك ... وآخرين بالنسبة للشافعي وأحمد. وما ذلك إلا لأن "المذهب ليس عبارة عن ارتباط تقليدي بمقتضاه يصير الفقهاء الذين ينتمون إلى مذهب أو يتبعونه مقلدين لإمام المذهب في الأحكام، ولكنه عبارة عن التزام لأصوله وتخريج فروع على تلك الأصول، سواء أطابقت الفروع التي خرجها هو أم خالفتها"5.
والرابعة: "أن اتفاق المذاهب ووحدتها أو اختلافها، إنما يرجع إلى كونها متفقة في الأصول أو متخالفة في الأصول، لا إلى المقالات الفرعية التي قد يختلف الفقيهان أو أكثر فيها"6.
والحقيقة الخامسة: هي أن المذهب المالكي كغيره من المذاهب الفقهية ينتمي من جهة أصول الفقه إلى مدرسة المتكلمين التي تضم المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والشيعة. وينتمي من جهة الفقه إلى جماعات أهل السنة. وأهل السنة كما حددهم الإمام ابن حزم هم جماعات: الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنبلية وأهل الحديث الذين لا يتعدونه7.
ولعل أهم ما يميز هذه المدرسة هو منهجها التركيبي الذي تسلكه في مقاربتها النصوص، بمعنى أنه إذا كان الحنفية يعتمدون المنهج التحليلي في الوصول إلى الغرض أي ينطلقون من الخطاب الشرعي إلى العناصر المكونة له، بحيث يردون الخطاب من زاوية الوضع إلى: العام، والخاص، والمشترك، والجمع المنكر، ومن زاوية الاستعمال إلى: الحقيقة والمجاز من جهة، والصريح والكناية من جهة أخرى، ومن زاوية الحمل إلى: واضح الدلالة وخفيها، أعني: المحكم والمفسر، والنص والظاهر من جهة الوضوح. والخفي والمشكل والمجمل والمتشابه من جهة الخفاء، فإن الأصولي المتكلم لا يعمد إلى تحليل الخطاب إلا ليكون مطية لتوظيفه في منهجه التركيبي. ولذلك نجده إذا حلل الخطاب من زاوية الحمل إلى: محكم ومتشابه أو إلى نص وظاهر من جهة، ومجمل ومؤول من جهة، وإلى أدلة عقلية ونقلية وإلى أصل وفرع، ومقاصد ووسائل، فإنما يقوم بذلك ليزاوج بين هذه العناصر، أي بين المحكم والمتشابه، وبين الظاهر والمؤول، وبين المجمل والمبين وبين النقل والعقل، والأصل والفرع وبين المقاصد والوسائل ليخرج بنتائج لو بقيت
¥