لا شك أن الإمام مالك – وهو الوارث للفقه المدني – قد أسس مناهج استدلاله على فقه مدرسة المدينة وأصولها , وهي: الكتاب والسنة , ثم أقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه , وفتاوى ابن عمر وعمله , وفتاوى سائر الصحابة , وفتاوى فقهاء التابعين , وغير ذلك من القواعد التي شاعت في مدرسة المدينة الفقهية , ومنها: مبدأ سد الذرائع , وعمل أهل المدينة [12] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn12)
وعليه فإن الاستدلال بعمل أهل المدينة كان شائعا قبل مالك , ولم يكن مالك أول من اعتمد عمل أهل المدينة أو إجماعهم حجة , بل سبقه إلى ذلك شيوخ المدرسة من التابعين , كسعيد بن المسيب , ويحيى بن سعيد الأنصاري , وأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن النوفلي [13] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn13) , وأبي جعفر محمد بن علي الباقر , وسليمان بن يسار , والقاسم بن محمد , وعروة بن الزبير , وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , وعبد الله بن عامر بن ربيعة [14] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn14) , وابن شهاب الزهري , ومحمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم , وأبي الزناد عبد الله بن ذكوان , وربيعة بن أبي عبد الرحمن , وجعفر الصادق , وابن أبي حازم , وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم , فقد جاء عنهم ما يدل على عدهم عمل أهل المدينة حجة [15] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn15) , وإنما نسب الأخذ بعمل أهل المدينة إلى مالك , لأنه هو الذي أبرز أصول الفقه المدني , وأكثر من الاعتماد على أقوال أهل المدينة حين انصرف الناس إليه وتصدر للفتيا , ودون كثيرا مما أفتى به معنمدا على عمل أهل المدينة , فاشتهر هذا الأصل عن مالك ونسب إليه.
المبحث الثالث: مفهوم عمل أهل المدينة
المطلب الأول: معنى عمل أهل المدينة.
تمهيد:
تحديد معنى عمل أهل المدينة من الموضوعات الشائكة ,والمسائل الصعبة التي يكتنفها الغموض ,ولا أدل على ذلك من قول الشافعي ,وهو من تعرف في العلم والفهم وجلال القدر ,وصحبته لمالك وسماعه منه ,: ((وما عرفنا ما تريد بالعمل إلى يومنا هذا وما أرانا نعرفه ما بقينا)) ويمضي قائلا: ((وما كلمت منكم أحدا قط فرأيته يعرف معنى الأمر عندنا))
وقال الزركشي [16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn16):
قال عبد الرحمن الشعلان [17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=60#_ftn17) :
الفرع الأول: عمل أهل المدينة عند غير المالكية
أدرج أكثر أهل الأصول من غير المالكية عمل أهل المدينة ضمن باب الإجماع وزعموا أن مراد مالك بعمل أهل المدينة إجماعهم الذي عده حجة بمنزلة إجماع الأمة –المصدر الثالث من مصادر التشريع – ولا اعتداد عنده بما يخالف إجماعهم.
وزعم بعضهم: أن مالكا جعل عمل أهل المدينة حجة في كل عصر دون قصره على عصر الصحابة والتابعين , وهذا ظن فاسد لا يليق أن ينسب لمالك ولا يصح عنه هذا أبدا.
وبناء على فهم الفقهاء والأصوليين الخاطئ لمراد مالك بعمل أهل المدينة شنع أكثرهم عليه وانصبت ردودهم على إبطال حجية إجماع بعض الأمة وإنما يكون الإجماع باتفاق الأمة كلها.
وقد أنكر المالكية أن يكون مالك جعل إجماع أهل المدينة لإجماع الأمة – المصدر الثالث من مصادر التشريع – وعدوا ذلك وهما وخوضا في غير محل النزاع , قال القاضي عياض: اعلموا أكرمكم الله أن جميع أرباب المذاهب من الفقهاء والمتكلمين وأصحاب الأثر والنظر إلب واحد على أصحابنا على هذه المسألة , مخطئون لنا فيها بزعمكم محتجون لنا بما سنح لهم , حتى تجاوز بعضهم حد التعصب والتشنيع إلى الطعن في المدينة وعد مثالبها , وهم يتكلمون في غير موضع خلاف فمنهم من لم يتصور المسألة ولا تحقق مذهبنا فتكلموا فيها على تخمين وحدس, ومنهم من أخذ الكلام ممن لم يحقق عنا ,ومنهم من أطالها وأضاف إلينا ما لا نقوله فيها كما فعل الصيرفي والمحاملي والغزالي فأوردوا عنا في المسألة ما لا نقوله , واحتجوا علينا بما يحتج به على الطاعنين في الإجماع.
الفرع الثاني: عمل أهل المدينة عند المالكية ومن وافقهم.
¥