تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المذهب وعمل أهل المدينة والسنة، حتى صاروا يتركون رواية الموطأ –الذي هو متواتر عن مالك وما زال يحدث به إلى أن مات– لرواية ابن القاسم».

قال البرذعي في "سؤالاته" (2

533): وذكرت لأبي زرعة (الرازي) مسائل عبد الرحمن بن القاسم عن مالك، فقال: «عنده ثلاثمئة جلدة أو نحوه عن مالك مسائل أسدية». قلت: «وما الأسدية»؟ فقال: «كان رجل من أهل المغرب يقال له أسد، رحل إلى محمد بن الحسن (صاحب أبي حنيفة) فسأله عن هذه المسائل. ثم قدم مصر، فأتى عبد الله بن وهب فسأله أن يسأله عن تلك المسائل: مما كان عنده فيها عن مالك أجابه، وما لم يكن عنده عن مالك قاس على قول مالك. فأتى عبد الرحمن بن القاسم، فتوسع له، فأجابه على هذا. فالناس يتكلمون في هذه المسائل». فما اكتفى المالكية بجمع آراء إمامهم التي ندم عليها، بل نسبوا إليه آراء أخرى ما قالها. وقاموا بتقديم المدوّنة على نصوص الإمام مالك في الموطأ!! ثم تم تدوين كتب أصول مذهب المالكية في العراق، من قبل المتكلمين. مما زاد في الهوة بين مذهب المالكية المتأخرين، وبين مذهب أهل المدينة الأوائل. والله يبدل الليل النهار، وهو على كل شيء قدير.

وقد اختلف المالكية عن ابن القاسم أيضاً! فنقل عنه عبد الملك بن حبيب القرطبي (ت238هـ) كتاب "الواضحة"، ثم دوّن محمد العتبي القرطبي (ت254هـ) من تلامذته كتاب "المستخرجة العتبية". ورحل من إفريقية أسد بن الفرات (145 - 204هـ) فكتب عن أصحاب أبي حنيفة أولاً، ثم انتقل إلى مذهب مالك، وكتب على ابن القاسم المصري في سائر أبواب الفقه. وقد حدث خلط بين المذهبين كما سبق بيانه. وجاء إلى القيروان بكتابه "الأسدية". فأخذ هذا الكتاب القاضي سحنون، وعارض مسائله على ابن القاسم، فتغيرت عدة أجوبة. وهذا شيء متوقع إن كان الجواب معتمداً على الرأي. فكتب سحنون كتاب "المدونة"، وقد اختلطت فيها الكثير من المسائل، فسماها الناس "المختلطة". وعكف أهل الأندلس على "الواضحة" و"العتبية"، ثم هجروا "الواضحة". أما أهل القيروان فاعتمدوا على "المدونة المختلطة"، واعتنوا بها أشد من عنايتهم بالقرآن.

يقول الباحث نذير حمدان في "الموطآت": «إن المتتبع للبحوث والموضوعات المتنوعة في "المدوَّنة" يفاجأ بقلة الرصيد القرآني استدلالاً على أبواب المؤلِّف الكبير وفصوله وأحكامه، حتى إنّ ألصق الموضوعات بالقرآن تحريماً وتحليلاً واستشهاداً لا تجد فيها نصاً قرآنياً بالدلالة أو بالإشارة أو بالمفهوم المخالف. خذ لذلك عناوين الموضوعات ... ». ثم سرد عناوين كثيرة، ثم قال: «وهي موضوعات قرآنية قبل كل شيء». ولم يتعد الأمر لقلة الاستدلال بالقرآن، بل وصل إلى قلة الاستدلال بالحديث كذلك. يقول د. قطب الريسوني: «لا أعرف لمتقدمي المالكية أو متأخريهم كتاباً مخطوطاً أو مطبوعاً، في تخريج أحاديث فقه المذهب».

فلا يجد القارئ لكتبهم والناظر فيها إلا آراء مجردة وأقوالا متناقضة، يشعر المالكية أنفسهم بتناقضها. ولقد بلغ من إعراضهم عن الدليل أنهم يضعفون أقوال أئمة المذهب المعروفين بالميل إليه والعمل بما يقتضيه، كابن عبد البر والباجي وابن العربي. فأقوال هؤلاء و أمثالهم لا تذكر في كتب المتأخرين إلا مشفوعة بالتضعيف غالباً، لا لشيء إلا لأن أصحابها يتبعون الدليل. بل بلغ المتأخرون في الغلو إلى حد أن بعض شراح تحفة ابن عاصم قال أثناء كلامه على مسألة ما نصه: "خلافاً لما في الحديث". فيا لله ويا للمسلمين، إذا خولف الحديث بهذه الصراحة، فيعتبر وفاق من؟! وهذا النقص الشديد جعل بعض المعاصرين (من مالكية وغيرهم) يحاولون إخفاء هذا النقص دفعاً لتعيير مخالفي المالكية. فذكروا في كتبهم بعض الأدلة على استحياء، وكثير من المسائل لم يجدوا عليها أدلة سوى أقوال مالك! ولعل أوسع تلك الكتب هو "مواهب الجليل من أدلة خليل" لأحمد المختار الجكني الشنقيطي. وقد أعوزه الاستدلال على كل الفروع بالمنقولات، فلجأ إلى النظر وروايات المذهب المالكي نفسه. وهناك كتاب للغماري مختصر جداً، ولكنه لم يأت على كل مسائل الفقه تفصيلاً، بل كأنه يتحرى بعض مسائل الخلاف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير