تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومحل الخلاف ما إذا كان القضاء بمثل معقول كالصلاة للصلاة والصوم للصوم، فإن مماثلة هذا النوع للفائت معلومة والعقل يدركها تمام الإدراك أما إذا كان العقل لا يدرك المماثلة بين الفائت وقضائه لعجزه عن إدراكه كالفدية للصوم، فالكل متفقون على أن القضاء لا يجب إلا بأمر جديد.

3 - أدلة المذاهب:

أدلة المذهب الأول: استدل من قال إن القضاء يجب بأمر جديد بالنقل والعقل واللغة.

أولا: النقل: قوله – صلى الله عليه وسلم -: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)

وجه الدلالة من الحديث: أنه دل على الأمر بالقضاء ولو كان مأمورا به بالأمر الأول لكانت فائدة الخبر التأكيد ولو لم يكن مأمورا به أولا لكانت فائدته التأسيس وهو أولى لعظم فائدته.

ثانيا: العقل: وذلك أن العبادة لما قرنت بالوقت المعين علمنا أن مصلحتها مختصة بذلك الوقت إذ لو كانت في غيره لما خصصت به فيحتاج القضاء إلى أمر جديد.

ثالثا: اللغة: وبيانه أن أهل اللغة لا يفهمون من قول القائل: صم يوم الخميس الأمر بصوم يوم الجمعة مثلا، ولو وجب القضاء بالأمر الأول، لكان يفهم منه الأمر بصوم يوم الجمعة، واللازم وهو وجوب صوم يوم الجمعة بالأمر بصوم يوم الخميس منتف وبيان الملازمة أن الوجوب أخص من الأمر لأن الأمر طلب والطلب يشمل الوجوب والندب وثبوت الأخص، يستلزم ثبوت الأعم وأما انتفاء اللازم فلأن قول القائل: صم يوم الخميس لا يدل إلا على صوم يوم الخميس فقط، ولا يقتضي صيام غيره من الأيام قطعا وأيضا لو اقتضى صوم يوم الخميس صوم يوم الجمعة لكان أداء، وكان تخييرا له بين صوم يوم الخميس أو صوم يوم الجمعة فيتساويان.

أدلة المذهب الثاني:استدل من قال: إن القضاء بالأمر الأول بأدلة منها:

أولا: إن الأداء قد صار مستحقا عليه بالأمر الأول والذي استقر في الذمة لا يسقط عن المستحق عليه إلا بالأداء أو بالإسقاط أو بالعجز ولم يوجد شيء منها فيبقى كما كان وخروج الوقت بنفسه لا يصلح مسقطا بل يقرر ترك الامتثال وما عليه من العهده والذي يصلح مسقطا إنما هو العجز ولم يوجد إلا في حق إدراك فضيلة الوقت فإذا فات الوقت بقيت الذمة مشغولة فيجب تفريغها بالقضاء.

ثانيا: أن قضاء الصلاة على الصفة التي فاتت عليها يدل على أن القضاء بالأمر الذي وجب به الأداء لا بأمر جديد فالصلاة التي تقصر إذا فاتت في السفر تقضى قصرا ولو فاتت في الحضر وكذلك إذا فاتت في الحضر تقضى أربعا ولو في السفر وقضاء السرية وقت الجهر سرا والجهرية وقت السر جهرا.

وقد أجاب من قال: أن القضاء بالأمر الأول عن دليل اللغة الذي استدل به الفريق الأول بأن مقتضى صوم يوم الخميس أمران أحدهما: إلزام أصل الصوم، ثانيهما: كون الصوم في يوم الخميس. فإذا عجز المكلف عن أداء الصوم في يوم الخميس الذي أمر بأداء الصوم فيه لفواته بقي مطالبا بصوم يوم لا بعينه سواء كان يوم الجمعة أو غيره، وأيضا إنما يلزم التخيير والتسوية بينهما - على ما قالوا – لو اقتضى صوم يوم الخميس الصوم في يوم معين غيره كيوم الجمعة مثلا وليس الأمر كذلك بل إنما يلزم الصوم في أي يوم شاء من أدائه أو العفو عنه، فهذا القول صحيح ولكن الذي أوجب قضاءه بعد ما فات وقته المحدد له هو قوله – صلى الله عليه وسلم -: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " وليس الذي أوجب الأداء أولا وهو قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) لأن دلالة الآية على المطالبة بقضاء الصلاة إذا كانت باقية فلم يرد الحديث بأدائها إلا إذا كان المراد به التأكيد للآية لا التأسيس والتأسيس أولى.

وأما عن دليله الثاني وهو أن الصلاة تقضى علىالصفة التي فاتت عليها من قصر أو اتمام أو غيرهما وذلك يدل على أن القضاء بالأمر الأول فهذا الإستدلال لا يثبت المدعى لأن الذين قالوا إن القضاء بأمر جديد بعضهم يقول: إن الصلاة المنسية في الحضر تقضى في السفر أربعا والصلاة المنسية في السفر، وتذكرها الناسي لها في الحضر إن شاء صلاها أربعا للإحتياط وإن شاء صلاها قصرا.

والبعض الثاني لا يفرق بين المنسي في الحضر والسفر، ويرى أنها تقضى على الصفة التي فاتت عليها. هذا واتفاق الخصمين على أداء الصلاة الفائتة بصفتها إنما يدل على أن المصلي يقضي ما فاته على صفته التي فات عليها من قصر وإتمام وسر وجهر ولا يدل على أن القضاء بالأمر كما هو المدعى والصحيح أن الدليل الذي أوجب القضاء هو قوله – صلى الله عليه وسلم -: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها " وليس الذي أوجب الأداء أولا لأنه مقيد بزمن وقد انتهى.

4 - الترجيح: الراجح – والله أعلم – من هذين المذهبين مذهب الجمهور الذين يقولون أن القضاء يجب بأمر جديد وذلك أن العبادة لما أمر بفعلها في وقت معين لمصلحة في ذلك الوقت لم يتناول الأمر ما بعد ذلك الوقت المعين وإذا لم يتناوله لا يجب فعل تلك العبادة في زمن آخر إلا بأمر جديد ولذا ورد الأمر بها في قوله – صلى الله عليه وسلم -: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ".

هذا والخلاف في هذه المسألة لفظي لا يترتب عليه عمل لأن الفريقين متفقون على وجوب قضاء الصلاة الفائتة وكونها بالأمر الأول أو بالأمر الثاني لا يسقط قضاءها، والنتيجة هي لزوم القضاء أو عدمه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير