[كلمة مختصرة نفيسة في نشأة علم التجويد]
ـ[أبو سفيان العامري]ــــــــ[09 - 05 - 08, 12:30 ص]ـ
لفضيلة الشيخ الدكتور حازم سعيد حيدر ـ حفظه الله ـ كلمة نفيسة تحدث فيها عن نشأة علم التجويد، ضمّنها تقريظه لكتاب (الفوائد التجويدية في شرح الجزرية) لفضية الشيخ عبد الرازق موسى ـ حفظه الله ـ، وسأورد مقدمة الشيخ حازم كاملة بحروفها فإليكموها.
قال ـ نفع الله بعلمه ـ: ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وصلى الله وسلم على سيد الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الناظر في معظم كتب علم التجويد المتداولة بين أيدي عامة المتعلمين اليوم يلمس فيها ظاهرة غريبة عن هذا العلم الجليل، توحي إليه بأن قواعد التلاوة ما هي إلا أسس وضعها علماء هذا الفن اجتهادا واستحسانا دون رواية وأثر؛ وذلك لأن كثيرا من المباحث اصطبغت بتلك الوجهة في عرضها وتقريرها، دون التركيز على ركنية التلقي والمشافهة والإسناد.
وقد بدأ هذا العلم أخيا ملازما لعلم القراءات، ووجدنا مباحثه وأصوله متداخلة في ثنايا كتب اختلاف القراء.
وظهرت أول محاولة وليدة ـ فيما أعلم ـ لفصل بعض أقسام علم التجويد عن القراءات على يد الإمام أبي مزاحم موسى بن عبيد الله الخاقاني ـ رحمه الله ـ (ت:325هـ) في منظومته في "حسن الأداء" المعروفة بـ"الخاقانية أو الرائية".
وتتابع التأليف في علم التلاوة بصورة أبسط وأوسع مما حوته أبيات الخاقانية، نحو: كتاب " التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي" لأبي الحسن علي بن جعفر السعيدي الحذاء (ت نحو: 410هـ)، وكتاب "بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها القراء وإيضاح الأدوات التي بني عليها الإقراء" لأبي علي الحسن بن أحمد المعروف بابن البناء الحنبلي (ت:471هـ)، وكتاب "التمهيد في التجويد" للحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار الحنبلي (ت:569هـ).
وكان لعلماء الأندلس القدح المعلى في وضع جمهرة من تصانيف علم التجويد، نحو كتاب "الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة" لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت:437هـ)، وكتاب "التحديد في الإتقان والتجويد" للحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت:444هـ)، وغيرهما.
وأظن أن منظومة الحافظ الإمام أبي الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري (ت:833هـ) المعروفة بـ"المقدمة الجزرية" تمثل واسطة العقد في مؤلفات هذا العلم، وبخاصة إذا اتضح لنا أنه ألفها في فترة متأخرة من عمره، وتزامنت مع تصنيفه أهم كتابين وضعهما في بيان حروف القراءة، وهما: "النشر في القراءات العشر" ونظمه "طيبة النشر في القراءات العشر".
وقد ضمن هذه الأخيرة أربعة وثلاثين بيتا من أبيات "المقدمة الجزرية" على وجه التقريب.
فالمقدمة الجزرية ليست ككتابه "التمهيد في علم التجويد" الذي ألفه في سن الرشد وعمره تسعة عشر عاما.
ويترجح لدي أن ابن الجزري ـ رحمه الله ـ وضع مقدمته بين عامي (798ــ 800هـ)، وذلك في رحلته إلى بلاد الروم (وهي تركيا الآن)؛ لأن ابنه أبا بكر أحمد حضر سماعا إجازة أبيه لأبي الحسن علي باشا بقراء الأخير "المقدمة" عليه عام (800هـ) كما هو مثبت بخط ابن الجزري في نهاية نسخة مكتبة [لاله لي].
وأيضا فإن ابنه الآخر أبا الخير محمد لحق بأبيه إلى تركيا عام (801هـ)، وفيه حفظ "المقدمة الجزرية"، فلو كان ابن الجزري نظمها قبل ذلك في الشام أو مصر لسبق لابنه المذكور حفظها.
وقد أرست مقدمة ابن الجزري قواعد علم التجويد، وحددت معالمه وأطره في أربع حلقات، وهي: مخارج الحروف، وصفاتها، والمسائل التجويدية، والوقف والابتداء.
لهذا لاقت احتفاء كبيرا من أهل العلم، ووصلت شروحها ـ التي علمنا من خبرها ـ قرابة خمسين شرحا بين مخطوط ومطبوع.
وأول من تناول شرحها ـ فيما أعلم ـ هو ابن الناظم: أبو بكر أحمد بن محمد بن الجزري (ت نحو:835هـ) في شرحه المسمى "الحواشي المفهمة لشرح المقدمة"، وهو مطبوع.
وقد وفق الله تعالى أستاذي وشيخي فضيلة الشيخ المقرئ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى لشرح هذه المنظومة شرحا وسيطا سماه "الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية"، أبان فيه خفاياها، وأوضح مسائلها، وفصل مجملها، ونبه على بعض قضايا طال الجدال حولها، فحسم الخلاف وأظهر الراجح لديه ببينة وبرهان.
وقد استبطن في شرح جملة من شرح العلامة عمر بن إبراهيم السعدي أو المُسْعَدي المعروف بابن كاشوحة (ت:1017هـ) المسمى "الفوائد المسعدية" (خ) كما ذكر في مقدمته.
وبجانب إسهامات المؤلف العلمية ـ وفقه الله ـ تأليفا وتدريسا وإقراء وتدقيقا ومراجعة ـ تلحظ فيه الحرص الدؤوب، والهمة العالية لتحصيل العلم ومدارسته مع تواضع وبشاشة وسجاحة خلق.
فأسأل الله تعالى أن يوفق المؤلف للمزيد بتحر وإتقان، وأن ينفع بهذا الشرح كما نفع بأصله والحمد لله رب العالمين.))
وكتبه:
حازم بن سعيد حيدر الكرمي
المدينة الشريفة
28/ 8/1417هـ
تميز هذا التقريظ بما يلي:
1) اللغة العلمية العالية من غير تكلف.
2) أنه منصب على الجانب العلمي، ولم يطغ فيه أسلوب المدح والثناء المتعارف عليه.
3) تحقيق بعض المسائل العلمية.
4) الدقة العلمية المتمثلة في عدم الجزم ببعض الأمور المحتملة.
5) سعة الاطلاع.
6) التأدب مع أهل العلم والمشايخ وتنزيلهم منزلتهم اللائقة بهم
7) تواضع فضيلة الشيخ عبد الرازق إبراهيم ـ حفظه الله ـ في طلبه التقديم للكتاب من أحد طلابه.
حفظ الله الشيخين وغفر لهما وجزاهما خير الجزاء وأوفاه.
¥