أن أول ذنب عصي الله به كان من أبي الجن وأبي الإنس أبوي الثقلين المأمورين وكان ذنب أبي الجن أكبر وأسبق وهو ترك المأمور به وهو السجود إباء واستكبارا وذنب أبي الإنس كان ذنبا صغيرا {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] وهو إنما فعل المنهي عنه وهو الأكل من الشجرة، وإن كان كثير من الناس المتكلمين في العلم يزعم أن هذا ليس بذنب، وأن آدم تأول حيث نهي عن الجنس بقوله: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] فظن أنه الشخص فأخطأ، أو نسي والمخطئ والناسي ليسا مذنبين. وهذا القول يقوله طوائف من أهل البدع والكلام والشيعة وكثير من المعتزلة وبعض الأشعرية وغيرهم ممن يوجب عصمة الأنبياء من الصغائر وهؤلاء فروا من شيء ووقعوا فيما هو أعظم منه في تحريف كلام الله عن مواضعه. وأما السلف قاطبة من القرون الثلاثة الذين هم خير قرون الأمة، وأهل الحديث والتفسير، وأهل كتب قصص الأنبياء والمبتدأ وجمهور الفقهاء والصوفية، وكثير من أهل الكلام كجمهور الأشعرية وغيرهم وعموم المؤمنين، فعلى ما دل عليه الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وقوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] بعد أن قال لهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22] وقوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37] مع أنه عوقب بإخراجه من الجنة. وهذه نصوص لا ترد إلا بنوع من تحريف الكلام عن مواضعه، والمخطئ والناسي إذا كانا مكلفين في تلك الشريعة فلا فرق وإن لم يكونا مكلفين امتنعت العقوبة ووصف العصيان والإخبار بظلم النفس وطلب المغفرة والرحمة وقوله تعالى: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22] وإنما ابتلى الله الأنبياء بالذنوب رفعا لدرجاتهم بالتوبة وتبليغا لهم إلى محبته وفرحه بهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ويفرح بتوبة التائب أشد فرح فالمقصود كمال الغاية لا نقص البداية، فإن العبد يكون له الدرجة لا ينالها إلا بما قدره الله له من العمل أو البلاء. وليس المقصود هنا هذه المسألة وإنما الغرض أن ينظر تفاوت ما بين الذنبين اللذين أحدهما ترك المأمور به فإنه كبير وكفر ولم يتب منه والآخر صغير تيب منه.
يتبع بإذن الله تعالى
ـ[أنس الحلو]ــــــــ[28 - 05 - 09, 08:15 ص]ـ
قاعدة عظيمة مفيدة:
* أن جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه وأن جنس ترك المأمور به أعظم من جنس فعل المنهي عنه وأن مثوبة بني آدم على أداء الواجبات أعظم من مثوبتهم على ترك المحرمات وأن عقوبتهم على ترك الواجبات أعظم من عقوبتهم على فعل المحرمات.
* إن أول ذنب عصي الله به كان من أبي الجن وأبي الإنس أبوي الثقلين المأمورين وكان ذنب أبي الجن أكبر وأسبق وهو ترك المأمور به وهو السجود إباء واستكبارا وذنب أبي الإنس كان ذنبا صغيرا {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] وهو إنما فعل المنهي عنه وهو الأكل من الشجرة.
ـ[أبوفاطمة الشمري]ــــــــ[14 - 06 - 09, 02:31 ص]ـ
للفائدة: يُنظرُ في المصادر التالية:
"مجموع الفتاوى" (20/ 85 - 158)، و"الفوائد" (ص171 - 185 - ط. عالم الفوائد) لابن القيم، و"عُدة الصابرين" (ص66 - 76 - ط. عالم الفوائد) له أيضًا، و"معالم أصول الفقه" (ص407) للدكتور محمد الجيزاني؛ واستفدت منه جزاه الله خيرًا.
والله الموفق.
ـ[قلم]ــــــــ[19 - 06 - 09, 05:11 ص]ـ
جزاك الله خيراً ...
وللشاطبي رأي في المسألة حيث قال:
واجتناب النواهي آكد وأبلغ في القصد الشرعي من أوجه:
أحدها أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح وهو معنى يعتمد عليه أهل العلم.
والثاني أن المناهي تمتثل بفعل واحد وهو الكف فللإنسان قدرة عليها في الجملة من غير مشقة وأما الأوامر فلا قدرة للبشر على فعل جميعها وإنما تتوارد على المكلف على البدل بحسب ما اقتضاه الترجيح فترك بعض الأوامر ليس بمخالفة على الإطلاق بخلاف بعض النواهي فإنه مخالفة في الجملة فترك النواهي أبلغ في تحقيق الموافقة.
الثالث النقل فقد جاء في الحديث (فإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فجعل المناهي آكد في الاعتبار من الأوامر حيث حتم في المناهي من غير مثنوية ولم يحتم ذلك في الأوامر إلا مع التقييد بالاستطاعة وذلك إشعار بما نحن فيه من ترجيح مطابقة المناهي على مطابقة الأوامر.
ذكرها في المجلد الخامس في المسألة الرابعة من الطرف الثالث: فيما يتعلق بإعمال قول المجتهد المقتدى به وحكم الاقتداء به. صـ300،301