تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

التي هي الدين، والحرية، والنسب، والصناعة معتبرة. والصناعة شأنها شأن النسب، فإذا لم يترتب على الزواج مع اختلاف الحرفة مضرة فإنه لا مانع يمنع من الزواج. ولكن إذا كان سيترتب على ذلك مضرة من القبيلة التي لا يوجد فيها تلك الحرفة، كأن يكون هناك من يعمل في الفحم -مثلاً- ثم أتى ليتزوج من أناس يكرهون هذا وخشي حصول فتنة، فإنه لا يصار إلى ذلك؛ لأن هذا شيء فيه مضرة، ومعلوم أن حصول الضرر الأشد ينبغي أن يتخلص من الوصول إليه بارتكاب ما هو دونه، وذلك إذا كان سيؤدي إلى ما هو أشد وإلى ما هو أخطر كما هو الحال في النسب كما أشرت إليه آنفاً.

• متى تتجاوز الكفاءة في الحرية:

وعلى هذا فإن الذي جاءت به النصوص هو الكفاءة في الدين، وكذلك الكفاءة في الحرية جاء ما يدل عليها، ولكن يجوز تجاوزها عند الاضطرار وعند الحاجة كما عرفنا في كون الحر يتزوج الأمة إذا لم يقدر على الحرة. ويدل عليه كذلك أن الأمة إذا عتقت وزوجها باق على الرق فإنها تكون مخيرة. والرقيق لا يتزوج الحرة ابتداءً، ولكن تمكن الاستدامة، وهذا من قبيل ما يجوز في الاستدامة ولا يجوز في الابتداء. لكن كونه أعلى منها -أي أنه حر- فله أن يتزوج ابتداءً عند الضرورة حين لا يستطيع الزواج بالحرة التي هي مكافئة ومماثلة له.

• حكم تزويج أصحاب المهن الرديئة

وأورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ)، واليافوخ هو الذي يكون فيه مجتمع ملتقى مقدم الرأس مع مؤخره، ويكون رقيقاً حال الأشهر الأولى من الولادة، فإذا كبر المولود ضخم واشتد حتى يصير مثل بقية الرأس، ولكنه في حال الصغر عندما يولد المولود إذا لمسه الإنسان يجد شيئاً رقيقاً ليس مثل بقية الرأس، فهذا يقال له: اليافوخ. فأبو هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [(يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند وانكحوا إليه)]. يعني: زوجوه وتزوجوا منه. وهذا محل الشاهد للترجمة؛ لأنه حجام، وهي مهنة ليست بشريفة، فليست من المهن الشريفة، بل هي من المهن الدنيئة، وذلك لأن لها علاقة بالدم، وكانوا فيما مضى يعتبرون الحجامة فيها شيء من عدم النظافة؛ لأنه يمص المحاجم، وقد يدخل الدم السيئ الفاسد إلى حلقه بسبب هذا المص، ولهذا جاء في الحديث: (أفطر الحاجم والمحجوم)؛ لأن الحاجم قد يفطر بسبب المص الذي قد يصل إلى حلقه. ثم بعد ذلك استخدمت الآلات التي يحجم بها بدون مص، وعلى هذا يفطر المحجوم دون الحاجم. فلما كانت الحجامة فيها مص وقد ينتقل إليه شيء من الدم الفاسد اعتبرت مهنته مهنة سيئة ومهنة رديئة. لهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كسب الحجام خبيث) يعني: رديء، وليس معناه أنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم واعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه، ولكن وصفه بأنه خبيث معناه أنه ليس من المكاسب الشريفة، بل من المكاسب الرديئة، كما قال الله عز وجل: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267] يعني الرديء، فقوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ [البقرة:267] يعني: رديء الطعام ورديء الأشياء. فالخبث لا يطلق على المحرم فقط، بل قد يطلق على الشيء الرديء من الشيء المباح الذي لا حرمة فيه، ومنه قوله: (كسب الحجام خبيث)، ولا يلزم من ذلك أنه محرم؛ يقول ابن عباس: ولو كان حراماً لم يعطه. إذاً قوله: (خبيث) أي: رديء. وقوله صلى الله عليه وسلم: [(يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند)] معناه أنه ليس من أنفسهم، وكأنه مولىً لهم؛ لأنه إذا كان مولى يقال له: مولاهم، وإذا كان منهم قيل: من أنفسهم. مثلما قالوا في ترجمة البخاري و مسلم، حيث يقولون في مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، ثم يقولون بعد القشيري: (من أنفسهم) أي أنه منهم، فنسبته إليهم نسبة أصل. ولهذا يميز بين نسبة الأصل بأن يقال: (من أنفسهم) ونسبة الولاء بأن يقال: (مولاهم). وفي ترجمة البخاري يقال: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري الجعفي، مولاهم. أي: مولى الجعفيين، فنسبته إلى الجعفيين نسبة ولاء وليست نسبة أصل، وأما نسبة مسلم إلى القشيريين فهي نسبة أصل.

ـ[طويلبة شنقيطية]ــــــــ[19 - 06 - 10, 05:17 ص]ـ

جزاكم الله خيرا

فقد كنت أبحث عن كلام لعالم معتبر في كفاءة الحرية.

ما النص أو الدليل الذي ورد فيها أو دل عليها؟

بارك الله فيكم

ـ[أبو الفضل مهدي المغربي]ــــــــ[20 - 06 - 10, 04:09 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

ومن الشروط التي استخلصها العلماء رحمهم الله تعالى قولهم: (وليس العبد كفء الحرة) العبد وهو الذي بقى عليه الرق ليس كفء الحرة؛ وهذا قول عامة الفقهاء، ودليل ذلك: ما ثبت في الصحيح: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبريرة حينما عتقت، وكان مغيث زوجها ما زال على الرق -يعني ما زال عبد لم يعتق- فطلبت الفراق، فكان لها الخيار، وكان مغيث يحبها فكان إذا خرجت إلى السوق يلحقها ويرغبها في بقائها فترفض، فجاء مغيث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعيناه تدمعان فقال يا رسول الله: إن بريرة لم تردني فهلا كنت شافعًا فذهب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بريرة فقال: يا بريرة لعلك تبقين مع مغيث قالت: أتأمرني يا رسول الله قال: لا .. إنما أنا شافع، فقالت: فلا حاجة لي به فكان مغيث يلحقها ويبكي، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول للعباس بن عبد المطلب يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن كره بريرة لمغيث، وهذا أدب نبوي.

أما زواج الرجل من الأمة أو الحر من الأمة، لا يجوز إلا بالآية: ? وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ ? [النساء: 25].

والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير