تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ج - أن إنكارهم للقياس لا يعني خروجهم من دائرة العلماء؛ لأنهم مجتهدون توفرت فيهم جميع أدوات الاجتهاد - ولم يذكر أحد من العلماء أن من شروط المجتهد أن يكون عاملا بالقياس في المسألة المجتهد فيها -، كما أنه يلزم من عدم الاعتداد بخلافهم عدم الاعتداد بخلاف منكري حديث الآحاد - مطلقا أو في وقائع معينة - ومنكري العمل بالحديث المرسل، ومن يرى نسخ القرآن بالسنة، ومنكري العموم، وغير ذلك من صور عدم العمل ببعض آحاد الأدلة المتفق عليها من الكتاب والسنة.

د - (القلب للدليل) وهو أن الإجماع منعقد على قبول خلاف الظاهرية؛ لأن داود الظاهري أظهر قوله في عصره وكذا تلامذته من بعده وحكى خلافهم أهل العلم في كتبهم، ولم يرو عن أحد معاصريه أنه أنكر خلافه ولم يعتد به.

واستدل أصحاب القول الثالث (وهم القائلون بقبول خلافهم في المسائل غير القياسية، وأما القياسية فلا يعتد بخلافهم) بأدلة منها:

أن المسألة إن كانت مما يتعلق بالآثار والتوقيف واللفظ اللغوي، ولا مخالف للقياس فيها، لم يصح أن ينعقد الإجماع بدونهم - إلا على رأي من يرى أن الاجتهاد لا يتجزأ -.

فإن قلنا بالتجزؤ، لم يمنع أن يقع النظر في فرع هم فيه محقون، كما نعتبر خلاف المتكلم في المسألة الكلامية؛ لأن له فيه مدخلا، كذلك أهل الظاهر في غير المسائل القياسية يعتد بخلافهم (البحر المحيط 4\ 473، نقلا عن الأبياري).

ويظهر بتأمل هذا القول أنه عائد في الحقيقة إلى القول الأول القائل بعدم الاعتداد بخلاف الظاهرية؛ لأن جل المسائل إنما هي قياسية؛ كما قال إمام الحرمين الجويني (ت 478 هـ) (البرهان، للجويني 2\ 818):

" إن معظم الشريعة صدر عن الاجتهاد، والنصوص لا تفي بالعشر من معشار الشريعة ".

كما أن في التفريق بين المسائل التي يدخلها القياس والتي لا يدخلها القياس خلافا بين العلماء؛ فمثلا مسائل الحدود، والكفارات، والعبادات فإن بين القائسين خلافا في جريان القياس فيها من عدمه.

إضافة لذلك فإن هذا التفريق هو محل النزاع؛ فإن الظاهرية يرون أن جميع هذه المسائل ليست قياسية؛ فيكون قولهم معتبرا.

واستدل أصحاب القول الرابع (وهم القائلون باعتبار خلافهم فيما خالف القياس الخفي، دون ما خالف القياس الجلي) بأدلة منها:

أن خلاف الظاهرية فيما خالف القياس الخفي معتبر؛ لما سبق في أدلة القول الثاني.

أما خلافهم فيما خالف القياس الجلي فهو غير معتد به؛ لكونه مبنيا على ما يقطع ببطلانه، والاجتهاد الواقع على خلاف الدليل القاطع كاجتهاد من ليس من أهل الاجتهاد في إنزالهما بمنزلة ما لا يعتد به، وينقض الحكم به (فتاوى ابن الصلاح ص 69).

ولأنه يجوز تبعيض الاجتهاد؛ بمعنى أن يكون العالم مجتهدا في نوع دون غيره، فكذلك الظاهرية يعتبر قولهم فيما عدا ما خالفوا القياس الجلي (فتاوى ابن الصلاح ص 69).

ولأن المسائل التي خالفوا فيها القياس الجلي، وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه، أو بنوه على أصولهم التي قام الدليل القاطع على بطلانها باتفاق من سواهم على خلافه، إجماع منعقد. وقولهم حينئذ خارج من الإجماع؛ كقولهم في التغوط في الماء الراكدة؛ وقولهم: لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها.

فخلافهم في هذا، وشبهه غير معتد به؛ لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه، والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود، وينتقض حكم الحاكم به (تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1\ 184). .

ويعرض على تفريقهم بين القياس الجلي، والقياس الخفي في الاعتداد بخلاف الظاهرية في الثاني دون الأول. أن يقال لهم:

أ - إن تقسيم القياس إلى جلي وخفي - بحسب تقسيم الشافعية - إنما هو تقسيم لما يطلق عليه القياس، لا القياس الشرعي المعرف بين الأصوليين، والذي فيه نزاع الظاهرية.

فإن الجمع بنفي الفارق - وهو القياس الخفي - ليس من حقيقة القياس (تيسير التحرير لأمير بادشاه 4\ 77). .

فعاد هذا القول للقول الأول، وهو نفي الاعتداد بخلاف الظاهرية مطلقا، فيكون القول فيهما واحدا.

ب - كذلك فإنه يقال: إما أن يعمم عدم الاعتداد بخلاف من خالف قول الأكثر في القياس الجلي سواء كان من أهل القياس، أم لا. أو أن يخص بأهل الظاهر فقط.

فإن قيل بالأول وهو أن كل من خالف في القياس الجلي لم يقبل قوله، ولا يعتد بخلافه، فهذا يؤدي إلى القول بقطعية هذا القياس، وفيه نظر؛ بدليل خلاف بعض القياسيين فيه.

وإن قيل بتخصيص منكري القياس فقط. ففيه تحكم؛ لأنه ربما خالف في هذه المسألة التي يدعي أن القياس فيها جلي غير الظاهرية ممن يعمل القياس؛ فيكون القائل هذا القول قد أهمل خلاف الظاهري، وأعمل خلاف غيره في مسألة واحدة، وهو تحكم.

مثال ذلك: ما ذكره أصحاب هذا القول من التمثيل للمسائل التي خالف فيها الظاهرية القياس الجلي؛ بأن الظاهرية يقولون: " بأن الربا لا يجري إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في الحديث فقط، ولا يتعداها لغيره ".

وهذه المسألة لم ينفرد بها الظاهرية بل وافقهم عليها بعض أهل القياس، فقال أبو الوفا ابن عقيل (ت 513 هـ) من الحنابلة، وغيره.

فإن قبلنا خلافه، ورددنا خلاف الظاهرية فهو تحكم. وإن قلنا برد خلاف الجميع فلا فائدة من تخصيص الظاهرية بعدم الاعتداد بقولهم، بل نرد خلاف جميع من خالف في هذا القياس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير