تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن المنهج المقاصدي في الاجتهاد مصطلح معاصر يقصد به:"العمل بمقاصد الشريعة، والالتفات إليها، والاعتداد بها في عملية الاجتهاد الفقهي" [3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn3) والحديث عن المقاصد ومدارستها ليس بدعة جديدة معاصرة تستدعي التشنيع أو الإنكار كما يزعم البعض، فالعمل بالمقاصد منهج شرعي قديم وقع تطبيقه في العصر النبوي وعصور الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، كما كانت مقاصد الأحكام حاضرة ومؤثرة في الفهم والاستنباط والتطبيق لدى عموم المجتهدين وأغلب الفقهاء والأصوليين، مما جعل الحديث عن مقصود الشرع، ومقصود الحكم، وحكمة الشريعة ومقاصد الشريعة، حديثا مألوفا ومتداولا بل ومعتمدا عند عامة علماء المسلمين، ذلكم أن اعتبار المقاصد في الاجتهاد وسيلة لتسديده وتقويمه، وأداة لتوسيعه وتمكينه من استيعاب نوازل الحياة بكل تقلباتها وتشعباتها، ومن فاته النظر في مقاصد الشريعة وقع في التخبط والاضطراب وأتى بالأقوال الشاذة المجافية لمقاصد الشرع، حتى لتجد أحدهم كما قال الشاطبي:"آخذاً ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها ولا راجع رجوع الافتقار إليها ولا مسلم لما روي عنهم في فهمها ولا راجع إلى الله ورسوله في أمرها" [4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn4).

والمنهج المقاصدي وإن كان منهجا في الاجتهاد، فإنه ليس على عمومه وإطلاقه، بل هو منضبط ومقيد بعموم الأدلة والقواعد والضوابط الشرعية، وبسائر الأبعاد العقدية والأخلاقية والعقلية المقررة، حتى لا يتنصل من الأحكام الشرعية باسم المقاصد، ذلك أن مفهوم المقاصد في الشريعة ليس مطاطا، ولا ذاتيا يخضع لتقلبات الأمزجة، أو يتبع المصالح الفردية القاصرة، بل هو منضبط بضوابط محكمة، تجعل منه مفهوما واضح المعالم، متسقا على وتيرة واحدة لا تغيره ضغوط الواقع وضرورات المواقف، ولا نزوات النفس، وفورة العواطف.

وقد كان المبحث المقاصدي جزءاً من مباحث علم أصول الفقه، بل قسماً من أقسامه تحكمه قواعده، وهو إلى اليوم لا يزال كذلك على رغم دعوة الاستقلالية التي رفع لوائها الإمام ابن عاشور بداية القرن العشرين وتبعه في ذلك غير واحد.

إن مقاصد الشريعة تعد الرابط الجامع لكل فروع التشريع الإسلامي، و لا تخرج عن الكليات الشرعية الثابتة العائدة إلى حفظ الضروريات الخمس: الدين والنفس والنسل والعقل والمال، وهذه الكليات الرئيسة للتشريع حاكمة للفروع وليست محكومة بها، ويسير الاجتهاد الفقهي في نسقها ووفق مآلاتها وليس وفق مقاصد المكلفين وأهوائهم، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في وجوب موافقة قصد المكلف من عمله قصد الشارع سواءً كان متعلماً أو مجتهداً: ((قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصده في التشريع والدليل على ذلك ظاهر من وضع الشريعة .. والمطلوب من المكلف أن يجري على ذلك في أفعاله وأن لا يقصد خلاف ما قصد الشارع)) [5] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn5).

فالمقاصد إذن ليست كلمة تقال أو شعاراً يرفع وإنما هي مبدأ أصولي له ضوابطه ومعاييره التي تحكمه حتى لا تصبح ذريعة يُتوصل بها إلى تأريخية النص الشرعي وإلغائه وتمييعه، فتحديد مقاصد الشارع لا ينبني على ظنون وتخمينات غير مطردة [6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn6)، بل هي ـ أي المقاصد ـ داخلة غير منفكة عن نطاق نصوص الشارع ذاته. بل إن النصوص جاءت لتحقيقها، فلا ينبغي أن تفهم أو تؤول بتأويل بعيد عن تلك المقاصد والأهداف العامة. إذ أن كل نص يحمل تحقيق مقصد إلهي ينبغي أن يعتبر ذلك المقصد ويجري على أساسه فهم النص.

وقد جعل العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله للمقصد المعتبر أربعة شروط لابد من توافرها وهي [7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=60#_ftn7):

الظهور: بمعنى أن يكون المقصد واضحاً لا تختلف أنظار المجتهدين في الاتجاه إليه وتشخيصه بعيداً عن كل التباس أو مشابهة، وذلك مثل اتفاقهم على تشريع القصاص لحفظ النفوس وتشريع الحد لحفظ العقول والأعراض.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير