[أمتن البراهين]
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[19 - 05 - 09, 05:33 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
بحر من العلم وسر مكنون لا تبلغه المدارك العقلية ولا ارهاصات الخيال، ولا عزة الا لله عز وجل العزيز المنيع، حجب نفسه في سرادقات عزه وظلال عظمة من الكمال الباهر، والعزة عظمة ما بعدها عظمة، وواقف بعلم يتعرف عليه بالعزة والقدرة المنيعة وأسرار ملكوتية.
والعزة للعزيز المنيع ولا يرقى أي وصف أو رسم ادراك منتهى العز للعزيز الذي خلق العقل كأقرب الحقائق الالهية، فاذا اتعظ العقل أبصر وكان عقلا نافعا حريصا على طاعة الله، والعقل المخلوق كلما تصور شيئا عظيما يتصور ما هو أعظم منه، وما من شيء كامل الا والعقل يتطلع الى ما هو أكمل منه والله تعالى هو غاية الكمال.
والعزيز صفة من صفات الله عز وجل الذاتية ولا يوصف بضدها وعزته سبحانه تبهر العقول، ولا يستقل بالعز من دون الله شيء، وهو سبحانه العزيز الذي لا يستطاع مجاورته ولا ترام مداومته ولو أبدى سبحانه لغة العز لخطفت الأفهام ولو نطق ناطق العز لصمتت نواطق كل وصف.
فيا لجلال الله عز وجل، وما أجلك ربنا ووالله انا لمقصرين في عبادتك ونحن المفتقرون اليك نسألك أن تقربنا اليك سبحانك سبحانك وسعت كل شيء رحمة وعلما.
سبحانك وأنت القائل في محكم تنزيلك وقولك الحق وأنت أصدق القائلين: ما قدروا الله حق قدره، الآية، فهو سبحانه وتعالى له قدر عظيم لا تبلغه الجبال الشوامخ، وتعجز الألسن عن الوصف.
كما أن العبادة لا تتزكى الا بالعلم والعمل والمجاهدة والسهر على تهذيب النفس وحثها على التمسك بمحاسن الأخلاق كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعبد لا يرى الا من طبيعته المخلوقة بعناية، ونعمة البصر من نعم الله العظيمة التي أودعها عبده كغيرها من النعم، ورؤية العبد تتم في مجال محدود لا يتعداه فاذا كان البصر ينقل الى العبد صورا محدودة الى الدماغ، فهناك الابصار الذي يتخطى الحدود المادية فيرى بمنظور أوسع وادراك أكبر، والمؤمن يعرف أن رؤيته البصرية لا تكون الا بالله فيكون الابصار القلبي حاضرا معك وهو الذي يحرك القلب للخشوع لذا على العبد الموقن أن يعلم أنه في محراب عظيم من القرب لمولاه في طهارته وتطهره وفي حركاته وسكناته وهو ملتجئ اليه سبحانه في افتقار وخضوع وخنوع وقلب وجل، ويظل العبد وفق هذه المعادلة الباهرة كالأعمى لا يرى الا في نطاق الحدود المسطرة بعناية ولا يرتقي الا اذا ارتقى بايمانه وسعى الى ربه مصدقا وموقنا بما أودع الله تعالى فيه من ملكات حسية مستجيبة ملبية ومنسجمة في وحدة شعورية.
والله سبحانه ينظر الى قلب عبده كل لحظة بالرحمة فيحول بين ما في قلب العبد وما يشغله عنه والقلب لا يجده العبد الا اذا نزل فيه الحق وارتحل منه ما دونه.
والعبد لا يستطيع تفسير ما يراه في ابصاره لأن الأدوات اللازمة مفقودة وهناك حجب مانعة، والدماغ لا ينقل الا ما كان في نطاق محدوديته المخلوقة لكن ما هو ماثل أمامنا هو حقا عجبا ولا يدرك الا بقوة البصيرة فتبقى مشدوهة لما تراه وراء الحجب والحدود.
ومن سمات ضعفنا جهلنا بالله تعالى وهو سبحانه الذي قصرت الأفهام عن ذاتيته والأوهام عن كيفيته وهو الذي لايحد فيكون محدودا ولا مثيل له فيكون مشهودا ولم يلد فيكون مولودا، فالله تعالى موجود مطلق غير مقيد بشيء ولا نهاية لوجوده والمطلق غير متناهي ولا يدع مجالا لفرض أي شيء غير وجوده سبحانه فالخالقية مطلقة والمخلوقية محدودة، فاذا اتجه الفكر لاستيعاب هذه الحقيقة فستكون من أمتن البراهين على توحيد الله تعالى باعتبار أن المطلق الغير المتناهي قد ملأ الوجود كله فأينما تولوا وجوه عقولكم فثم وجه الواحد الغير المحدود فلا يبقى مجال لفرض غيره والخالقية لله الواحد الأحد ولا تخضع في تعريفها لأي من المقاييس والمعايير المحدودة في المكان والزمان وكل الأبعاد المخلوقة.
فالعقل المخلوق قد يطرح تساؤلات وكمثال مثلا ماهو الدليل على وجود الله؟ لكن هذا السؤال يبقى بلا معنى ان أوتي العقل ادراكا واحاطة لأن المعادلة هنا ستتغير بكافة المقاييس والأبعاد مما لا نعلم
وعلى هذا المبنى يستحيل استحالة تامة أن لا يكون الله سبحانه وتعالى عما يصفون لأن اثباث وجوده بمقاييسنا الفكرية هو عين وجوده، وهو سبحانه غير مفقود فيطلب ولا ذو غاية فيدرك، وحقيقة التوحيد حقيقة عظيمة وهي القطب الراسخ في المعرفة والادراك الحقيقي وخشوع القلب، لذا نجد كلمة التقوى العظيمة لاالاه الا الله والتي نجدد بها ايماننا كل يوم بدأت بنفي ومعناه أننا ننفي كل ما لا يبلغنا الى توحيد خالص وهذا منتهى المعرفة بالله تعالى والايمان به وتوحيده وأنه سبحانه وتعالى الحقيقة المطلقة الجامعة لكل صفات الجلال والجمال والأسماء وهو خالق كل شيء ولا تدركه الأبصار وليس كمثله شيء، وكل خلقه خاضع لعلمه وهيمنته المطلقة وصفات الله المطلقة كلها خير وقدسية وجلال واذا أيقن بها العبد علم أنه لا الاه الا الله حقا وحقيقة وعلما وخلقا وعمته السكينة وفتح عليه من رحمته وصدق في معاملاته وكلما زاد تصديقه بها زادت الحجج لديه وصار علمه بها ضروريا وليس مكتسبا وعلم أن الله سبحانه هو الغاية والمبتغى والمنتهى ولا شيء غيره.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من شهادة لا الاه الا الله قبل أن يحال بينكم وبينها. رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
ولي اشارة توضيحية جاءت في هذا السياق بخصوص فهم بعض الألفاظ في بعض معاني الآيات المتشابهات والتي لا يمكن تأويلها وفق القياسات المعروفة لأنها تحمل أبعادا مطلقة كقوله تعالى: (الرحمان على العرش استوى) الآية.
فالعرش من أعظم خلق الله تعالى وهو خاضع لهيمنته المطلقة وكلمة استوى تحمل أبعادا ومعاني مطلقة ولا يمكن تأويلها وفق قياساتنا الصرفة، فالذي خلق العرش له صفات الخالقية المطلقة أما العرش فهو مخلوق بعلمه وقدرته وهو خاضع لعلمه وجلاله وهيمنته المطلقة.