تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الملكة الفقهية والتمييز بين ما يصلح أن يكون دليلا وما لا يصلح أن يكون دليلا؛ لأن هذا يعني نقول لعل هذا يستفاد من علم الأصول.

حرص الصحابة على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم

بقي الإشارة -أيها الإخوة- إلى أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا إذا أشكل عليهم أمر سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فإذا نزلت بهم نازلة وأرادوا معرفة حكمها سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يسألونه عن كذا وعن كذا كما في حديث فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "يا رسول الله إنني امرأة استحاض فلا أطهر" فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي ثعلبة الخشني، "قال يا رسول الله إن بأرضي قوم أهل كتاب أفنأكل من آنيتهم قالوا إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء -أي اغسلوها- وكلوا فيها" وفي حديث يعلى بن أبي أمية أن رجلا قال للنبيصلى الله عليه وسلم "يا رسول الله ما ترى في رجل أحرم في جبة بعد ما تضمخ بطيب فسكت النبي صلى الله عليه وسلم انتظارا للوحي، ثم جاءه الوحي بذلك فسأل عن الرجل فجيء به فقال: , أما الطيب الذي بك فاغسله وأما الجبة فاخلعها ثم اصنع في حجك ما كنت صانعا في عمرتك -قال الراوي- فخلعها من رأسه - وهذا فيه إشارة إلى أن خلع القميص وأن مروره على الرأس في أثناء الخلع لا يعتبر تغطية وإلا لوجبت عليه فدية في هذا.

بل إن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يحرصون على متابعة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وملاحظة تصرفاته ملاحظة دقيقة جدا لأنهم يستفيدون منها الأحكام.

يقول ابن عباس -فيما رواه البخاري في صحيحه- واصفا حج النبيصلى الله عليه وسلم يقول: "لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم من باب السلام فلما رأى البيت رفع يديه مكبرا قال: فسقط زمام ناقته فتناوله بشماله لاحظوا الوصف قال: "فسقط زمام ناقته فتناوله بشماله" قد يقول قائل مثلا: ما تفرق سواء يعني تناوله بشماله أو بيمينه، نقول: لا ـ قد يأتي إنسان ويستفيد من ذلك حكما، والصحابي الذي رأى هذه الواقعة ينقلها كما رآها، بل إن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أو أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يستنبطون الأحكام بفطرهم السليمة بحكم سليقتهم العربية، وبحكم مخالطتهم للنبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا سمعوا آية أو سمعوا حديثا فهموه على مراد الشرع؛ ولهذا لما سمع عمر -رضي الله عنه-قول الله تعالى: â إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ رفع يديه وقال: انتهينا انتهينا فهم من هذه الصيغة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) رفع يديه وقال: انتهينا انتهينا فهم من هذه الصيغة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ أن فيها التقريع والتوبيخ والذم والإنكار على من فعل هذا الشيء.

على أن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يدركون بعضا من القواعد الأصولية الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- سئل عن مسألة، عن مسألة الجمع بين الأختين بملك اليمين، معلوم أن الجمع بين الأختين بعقد النكاح ما حكمه؟ ما يجوز، فسئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين فنظر فيها الخليفة عثمان -رضي الله عنه-وقال: أحلتهما آية وحرمتهما آية، يشير إلى قول الله تعالى: أحلتهما آية: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ () ويشير في قوله وحرمتهما آية: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فقال: حرمتهما آية وأحلتهما آية، ثم قال: والتحريم أحب إلينا، يشير إلى قاعدة فقهية مشهورة وهي أنه: إذا اجتمع حاظر ومبيح ما الذي يقدم؟ يقدم الحاظر.

أيضا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-في مسألة عدة المتوفى عنها زوجها الحامل، معلوم أن الجمهور يقولون: إن عدتها بوضع الحمل، وابن عباس رضي الله عنه- نقل عنه أنه كان يقول: تعتد بماذا؟ بأبعد الأجلين: إما أربعة أشهر وعشرا وإما وضع الحمل، فابن مسعود -رضي الله عنه-يقول: أشهد بالله أن سورة النساء الصغرى نزلت بعد سورة النساء الكبرى، ما الذي يقصد بسورة النساء الصغرى، يقصد سورة الطلاق وسورة النساء الكبرى يقصد سورة البقرة، يشير إلى قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وفي سورة الطلاق اللي هي سماها سورة النساء الصغرى وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فهو يشير إلى قاعدة فقهية قاعدة أصولية وهي: أن المتأخر ينسخ المتقدم أو يخصصه على خلاف بين الأصوليين في مسألة النسخ والتخصيص في مثل هذه الحالة.

أيضا الخليفة علي -رضي الله عنه-لما استشار ابن عمر -رضي الله عنه-والصحابة في حد شارب الخمر، فقال علي -رضي الله عنه أرى أنه إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، وأرى أن يقام عليه حد الفرية، فهو أخذ بقاعدة أصولية وهي أن العبرة بمآل الشيء أو بما يؤول إليه.

كما أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يستخدمون القياس، ومن أوضح الأمثلة على استخدام الصحابة -رضي الله عنهم- للقياس قياس أبو بكر -رضي الله عنه حيث قاس مانع الزكاة على ماذا؟ على تارك الصلاة، فقال: إنها فريضة الصلاة في كتاب الله؛ ولهذا -أيها الإخوة- هذه الحادثة أو هذه الواقعة -كما رواها البخاري في صحيحه- هي من أقوى الأدلة على حجية القياس، لماذا؟ لأنها إجماع الصحابة، أبو بكر -رضي الله عنه-قاس، وكان بعض الصحابة كأنه في أول الأمر ما تبين له الحكم فيها ثم وافق + أبا بكر -رضي الله عنه وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على معاملة مانع الزكاة كمعاملة تارك الصلاة، فهذا حقيقة من أقوى الأدلة على مشروعية القياس.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير