3 - الْحَبْسُ، مأخوذ من قولهم: (قد اعْتُقلَ لسانُهُ) إذا حُبِسَ ومُنِعَ الكلامَ (12).
4 - التَّثَبُّتُ في الأمور، يقال: (إنسان عاقل) أي: مُتَثَبِّتُُ في أموره (13).
5 - التَّمَيُّزُ: وهو الذي يتميز به الإنسان من سائر الحيوان (14).
6 - الفَهْمُ، يقال: (عَقَلَ الّشْيء يَعْقِلهُ عَقْلاً) إذا فهمه (15).
7 - المَسْكُ، يقال: (عَقَلَ الدَّواءُ بطْنَهُ يَعْقُلهُ عَقْلاً): أمسكه، وقيل: أمسكه بعد استطلاقه (16).
8 - الْمَلْجَأُ، يقال: (فُلان مَعْقِلُُ لقومه) أي: هو مَلْجَأ لهم (17).
وهذه المعاني كلها مجتمعةً تدل على أن (العَقْل) في مفهوم العرب هو العاصم الذي يعصم الإنسان - بعد توفيق الله تبارك وتعالى وهدايته - من الطيش والحمق والتسرُّع في الأمور دون روِيَّةٍ وأناة، وذلك بما يضفيه عليه ذلك العقل من الوعي والإدراك الأمر الذي يقيه مخاطر الزلل والخطل.
المطلب الثاني: حقيقة العقل في الاصطلاح
صرَّح بعض الأصوليين بأنه من الصعوبة بمكان بيان حقيقة (العقل) من الناحية الاصطلاحية، كما ذكر ذلك إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى حين قال: (فإن قيل: فما العقل عندكم؟ قلنا: ليس الكلام فيه بالهيَن) (18).
ولعلَّ مَرْجع هذه الصعوبة اختلاف اصطلاحات العلماء في تحديد معناه، نظراً لكونه اسماً مشتركاً يُطلق على عدد من المعاني، وهذا ما ترجمه الغزالي رحمه الله تعالى بقوله: (وكذلك إذا قيل: "ماحَدُّ العقل؟ " فلا تطمع في أن تحدَّهُ بحدٍ واحد، فإنه هَوَس، لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معانٍ، إذ يطلق على بعض العلوم الضرورية، ويطلق على الغريزة التي يتهيّأ بها الإنسان لدَرْك العلوم النظرية، ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة حتى إنَّ مَنْ لم تحنّكه التجارب بهذا الاعتبار لا يُسمَّى عاقلاً، ويطلق على مَنْ له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه، وهو عبارة عن الهدوء فيقال: " فلان عاقل " أي فيه هدوء، وقد يطلق على مَنْ جَمَعَ العمل إلى العلم حتى إنَّ المفسد وإن كان في غايةٍ من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلاً…، فإذا اختلفت الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تختلف الحدود (19).
ورغم هذه الصعوبة البالغة فقد اقتحم الأصوليون عُبابها وولجوا أبوابها فذكروا حدوداّ تبيَن حقيقة (العقل) من الناحية الاصطلاحية، ومن هذه الحدود ما يلي:
1 - عرَّفه السرخسي الحنفي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل نورّ في الصدر به يُبصر القلب عند النظر في الحجج).
ثم أوضح ذلك بقوله: (بمنزلة السراج فإنه نور تبصر العين به عند النظر فترى ما يدُرك بالحواس، لا أنَّ السراج يوجب رؤية ذلك، ولكنه يدل على معرفة ما هو غائب عن الحواس من غير أن يكون موجباً لذلك، بل القلب يدرك بالعقل ذلك بتوفيق الله تعالى، وهو في الحاصل عبارة عن الاختيار الذي يبتني عليه المرء ما يأتي به وما يذر مما لا ينتهي إلى إدراكه سائر الحواس) (20).
2 - وعرفه القاضي أبو بكر الباقلاني المالكي رحمه الله تعالى بقوله: (العقل من العلوم، إذ لا يتّصف بالعقل خالٍ عن العلوم كلها، وليس من العلوم النظرية، فإنَّ النظر لا يقع ابتداؤه إلا مسبوقاً بالعقل، فانحصر في العلوم الضرورية وليس كلها، فإنه قد يخلو عن العلوم بالمحسوسات مَن اختلَّت عليه حواسُّه، وإن كان على كمالٍ من عقله) (21).
وعلى هذا فالعقل عند القاضي الباقلاني رحمه الله تعالى هو: (بعض العلوم الضرورية كجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (22). أو هو: (عِلْمُُ بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات) (23).
3 - وعرفه الغزالي الشافعي رحمه الله تعالى بقوله: (والوجه أن يقال: هو صِفَةُُ يتهيأ للمتصف بها دَرْكُ العلوم والنظر في المعقولات) (24).
4 - وعرفه القاضي أبو يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى بقوله: (والعقل ضَرْبُُ من العلوم الضرورية) (25).
وإذا أنعمنا النظر في هذه التعريفات رأينا أن القاضي أبا بكر الباقلاني حصر العقل في بعض العلوم الضرورية في حين أن الغزالي سلك مسلك التعميم، حيث جعل المتصف بالعقل مُهَيّأ لدرْك العلوم لا بعضها، ولعلَّ ذلك هو ما دفع الغزالي إلى أن يًزيَفّ تعريف الباقلاني، حيث قال بعد إيراده له: (وهو مُزيَّف، فإنّ الذاهل عن الجواز والاستحالة عاقل) (26).
¥