تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أن الرجال والنساء سواء في التكليف، فلا بُدَّ من الاستواء فيما هو مناط له وهو العقل (63).

ثانياً: ونوقشوا في دليلهم الثاني والثالث من وجهين أيضاً:

الوجه الأول: أن العقل بَعْضُُ من العلوم فلا يقبل الزيادة والنقصان، لأن العلم الكسبي لا يقبل الزيادة، فيكون الضروري أولى بعدم قبولها.

الوجه الثاني: ما ورد من نحو قولهم: " عقل فلان أكثر من عقل فلان " إنما هو من باب قولهم: " فلان أعلم من فلان " بمعنى أن معلوماته أكثر، فيكون المراد بزيادة العقل كثرة التجارب، والتجارب قد تجوَّز فيها قوم فقالوا: هي عقل ثانٍ، وقالوا في المشورة: عقل غيرك مُنْضَمُُّ إلى عقلك، وهذا كله مجاز، والحقيقة لا تقبل التزايد (64).

المطلب الثالث: الترجيح، وبيان سببه

يترجح لديّ مما سبق عرضه ومناقشته أن العقل متفاوت، فهو يختلف قلةً وكثرةً من إنسان لآخر، وذلك لسببين:

السبب الأول:

أن الله تبارك وتعالى أمرنا برد كل شيء متُنَاَزعٍ فيه إليه سبحانه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) (65).

وقال: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) (66).

وقد رددنا هذه المسألة المتنازع فيها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فوجدنا أنه عليه الصلاة والسلام أخبرنا في الحديث المتفق عليه السابق ذِكْرُه (67) بأن النساء ناقصات عقل، وفي هذا الإخبار دلالة صريحة على نقصان عقول النساء عن عقول الرجال، ولو كانت العقول متساوية لما أخبرنا بذلك عليه الصلاة والسلام.

السبب الثاني:

أننا نجد في الواقع المحسوس الملموس اختلاف الناس في الإدراك العقلي، فبعضهم أكثر إدراكاً من بعض، وهذا يدل دلالة واضحة على تفاوت العقول بين الناس، إذ لو كانت متساوية لما وُجد ذلك الاختلاف.

المطلب الرابع: ثمرة الخلاف في المسألة

حقَّق الغزالي رحمه الله تعالى في هذا المقام الأمر الذي لا تتفاوت فيه العقول بين الناس بعد أن بيَّن أن العقل يطلق بالاشتراك على أربعة معانٍ أولها: الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر البهائم، وهو الذي استعدَّ به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وثانيها: العلوم الضرورية كالعلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وثالثها: العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال، ورابعها: معرفة عواقب الأمور التي تفضي إلى قَمْع الشهوة وقَهْرها (68).

فقال: (قد اختلف الناس في تفاوت العقل، ولا معنى للاشتغال بنقل كلام مَنْ قَلَّ تحصيله، بل الأولى والأهم المبادرة إلى التصريح بالحق، والحق الصريح فيه أن يقال: إن التفاوت يتطرق إلى الأقسام الأربعة سوى القسم الثاني وهو العلم الضروري بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، فإنَّ مَنْ عَرَفَ أنّ الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضاً استحالة كون الجسم في مكانين، وكون الشيء الواحد قديماً حادثاً، وكذا سائر النظائر، وكل ما يدركه إدراكاً محقَّقاً من غير شك، وأما الأقسام الثلاثة فالتفاوت يتطرق إليها) (69).

وهذا التحقيق الذي ذهب إليه الغزالي رحمه الله تعالى يجعل عدم التفاوت محصوراً فيما يتعلق بالعلوم الضرورية فقط، ومعنى ذلك أن (العقل الغريزي) وهو الذي ميَّز الله تبارك وتعالى به الإنسان عن البهائم قابل للتفاوت فيختلف فيه الناس بعضهم عن بعض بحسب اختلاف مداركهم ومعارفهم.

إلا أن الزركشي رحمه الله تعالى قد خالف في تحقيقه تحقيق الغزالي، فذهب إلى أن (العقل الغريزي) ليس قابلاً للتفاوت حين قال: (والتحقيق: أنه إن أُريد الغريزي فلا يتفاوت، أو التجريبي فلا شك في تفاوته) (70).

ومعنى ذلك أن العقل الغريزي يستوي فيه كل الناس دون تفاوت، بل التفاوت بينهم إنما هو في العقل التجريبي، إذ الناس مختلفون في تجاربهم قلةً وكثرة، وكلما كان الإنسان أكثر تجربة ازداد تعقُّلاً بشؤون هذه الحياة.

وفي تصوري أنه بالموازنة بين هذين التحقيقين لا يستقيم خلاف معنوي بين ما قرره الغزالي والزركشي رحمهما الله تعالى، وذلك لوجهين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير