ومَا يُرى مظِنَّةً للْعَمَلِ = في أصلِهِ فلاحِقٌ بالأَوَّلِ
(المقدمة الثامنة)
معْتَبَرُ العلم إذا العلمُ حصَلْ = ما كان منهُ باعثًا على الْعَمَلْ
وهْو الذي يلجمُ مَنْ حَواهُ = فلاَ يُرى مُرْتكِبًا هواهُ
وجاءَ مَدحُهُ على الإطلاقِ = مِنْ جِهةِ الشَّارعِ باتِّفاقِ
وَرُتَبُ العلمِ ثلاثٌ تُعْتَبَرْ = فَمِنْها الأولَى للذي فيه نَظَرْ
وهْو على التَّقليدِ بعدُ لَمْ يَزَلْ = فذا الذي له دخولٌ في العملْ
بمُقْتَضَى تحمُّلِ التَّكليفِ = وباعث الترغيب والتخويف
والعلم بالحمل متى لا يَكْتفِي = بَلْ لمقَوٍّ زائدٍ قدْ يَقْتفي
من زَجْرٍ اوْ تعزيرٍ اوْ تأديبِ = دليلُهُ عوائد التَّجريبِ
ثانيةٌ رُتْبَةُ من قد ارْتَفَعْ = عنْ رُتْبَةِ المقلدين إذْ بَرَعْ
في علمي الفروع والأصولِ = من جهة المنقولِ والمعقولِ
فهو لا ربما تحب العمل = عليهم ولم يداخلهم خَلَلْ
لأجلِ ما حازوا من التحقيقِ = في عِلمهم بشدّة التَّصْديقِ
لكن حمل العلم قَدْ لا يَكفي = إذْ لمْ يَصِرْ في حقِّهم كالوصفِ
فربَّمَا دعتهم دَواعي = من جِهةِ النُّفوسِ والطِّباعِ
تلجئ فيهم إلى الافتقارِ = لزائد على المقوي الجارِ
مِنْ طَلَبِ المحاسنِ العادِيهْ = ولائق المراتبِ السَّنيَّهْ
وذاكَ أيضًا بدليلِ التَّجْرِبَهْ = لكنَّها أخفَى بهاذي الْمَرْتَبَهْ
ثالثُةٌ لمن حصولُ عِلْمِهِ = قَدْ صارَ وصْفًا ثابِتًا كَفَهْمِهِ
وراسخُ العلم لهؤلاءِ = لَيْسَ مُخَليهم مع الأَهْواءِ
فَيَرْجعون دائمًا إليهِ = رُجوعهم ما جُبِلوا عليْهِ
وهذه الرُّتْبَةُ مُسْتَقِلَّهْ = بِمُقْتضَى قواطِعِ الأدِلَّهْ
وَأَهْلُها في العِلْمِ راسخونا = وهم بِهِ إذ ذاك محفوظونا
إذ هم من الشُّهودِ بالتَّوحيدِ = والمُقْتضى عدالةُ الشُّهودِ
ولا يُقالُ إنَّ أهل العلمِ = قَدْ يَقعون في ارْتِكاب الإثْمِ
ولا يكونُ العلمُ حافظًا لهمْ = فقد تساوَوْا بالذين قَبْلَهمْ
إذْ قَدْ يُجابُ إن ذاكَ إنَّمَا = يكونُ مِمَّنْ للرُّسوخِ عُدِمَا
أو قد يكون فَلْتةً أنْ غَفَلهْ = ومثلُ هذا لا ينافي أصْله
والعلمُ أَمْرٌ باطنٌ معناهُ = يَرْجِعُ لِلْخَشْيَةِ مُقْتَضَاهُ
وقيلَ نورٌ في القلوب هادِ = مِنْ مطلعِ التَّشْريعِ ذو اسْتِعْدادِ
(المقدمة التاسعة)
وانقسمَ العلمُ لطَلَبٍ ومُلَحْ = وَمَا سِوى هذَيْنِ فَهْوَ مُطَّرَحْ
فالطَّلَبُ ما أفادَ حكمَ القَطْعِ = أو كانَ راجِعًا لأصْلي قطعي
وهْوَ أصولُ الملَّة الكليَّهْ = من الضرورياتِ والْحاجِيَّهْ
وَمُكْمِلٌ لها مِن التَّحْسيني = أو مُكْمِلٌ كُلاًّ على التَّعْيينِ
وجملةُ الفروعِ باسْتِغْراقِ = مُسْندهُ لها على الإطْلاقِ
وإنَّ ذا القسم له أوصافُ = ثَلاثَةٌ له بها اتِّصافُ
وهْيَ العمومُ مَعَ الاطرادِ = وذا مِن الشارع أَمْرٌ بادِ
إذْ ليْسَ في كلية العمومي = خُصوصٌ إلا وهْو في عموم
ثمَّ ثُبوتُهُ بكل حالِ = من غيرِ تبديلٍ ولا زَوالِ
وهكذا الاحكامُ لا تزولُ = ولا يُرى لشأنها تبديلُ
وإنَّه الحاكم لا المحكومُ = عليْهِ والحكمُ بذا مَحتومُ
ومُلَحُ العِلْمِ بهذا البَيْنِ = ما كان راجعًا لأصلٍ ظنِّي
أو قاطعٍ لكنَّ ما يَتَّصِفُ = بِهِ لَهُ عنْ أصْلِهِ تَخَلُّفُ
وَشَرْطُهُ اسْتِحْسانُهُ بالعقلِ = وَلا يخل حُكْمُهُ بِأَصْلِ
ثمة باسْتخراجِ بَعضِ الحِكَمِ = فيما إلى التَّعبُّداتِ يَنْتَمِي
مثلُ المقدراتِ والهيآتِ = ومثلُها تعيّن الأوقاتِ
وذاك كالتعليل في النَّوادِرِ = بعدَ السَّماعِ باعتبارِ ظاهِرِ
ورُبَّمَا يلفى بهذا القسمِ = ما قدْ يُرى كثالثٍ في الحُكْمِ
بكونه دَعْوَى بِلا دَليلِ = تجنى على المشروع بالتَّأويلِ
ومنه بالتزامِ كيفياتِ = في بعض الاخبارِ المسلسلاتِ
إذ ترك ذاك الالتزام المُتَّبَعْ = بمقتضاه لا يحلُّ إنْ وَقَعْ
ومنهُ بالقصْدِ إلى التَّأنُّقِ = في أخذِ ما يحملُهُ مِنْ طُرُقِ
يَقْصِدُ باسْتِخْراجِها التكاثرْ = في طرق للرّوى لا التَّواتر
ومنه أخذُ العلم في أحكامِ = مِنَ المرائي حالةَ المَنامِ
إذْ أصْلُها لَيْسَ بِذي اعْتبارِ = فيما سوى التَّبْشيرِ والإنْذارِ
ومنه الاختلافُ في حكمٍ وَلاَ = يُفيدُ الاختلافُ فيه عملاَ
ومنه الاستشهادُ بالأشْعارِ في = معنًى كما في الوعْظِ والتَّصَوُّفِ
إذْ شأنُها إمالةُ القلوبِ = وردُّها لِلْغَرَضٍ المطلوبِ
¥